الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلحَق: ما اقتبسه القانون المدنيّ المعاصِر من الفِقه الإسلاميّ
لا تتبوأ الأمة مكانتها وتنعم بعزتها بغير الاستقلال الكامل المادي والمعنوي الذي لا أثر فيه للتبعية الفكرية والثقافية والقانونية لأية دولة أخرى.
ولا يكمل الاستقلال الوطني ولا تتحقق أو تنمو ذاتية البلد المطلقة ولا تخطو خطوات بنائه نحو التقدم والمستقبل المشرق، محطمة قيود التخلف إلا بالتخلص من كل آثار الاستعمار ورواسبه البعيدة المدى. ومن أولى مهام الحكم المستقل الوطني في سبيل تحقيق تلك الغاية الاعتماد في التقنين في مختلف أنواعه على التراث القومي النابع من البيئة، والمتجاوب مع تطلعات أبناء البلاد وأهدافهم وعقيدتهم.
لقد اعترف الفقيه الكبير الدكتور عبد الرزاق السنهوري واضع القانون المدني المصري وغيره في البلاد العربية بأن الفقه والقضاء المصري ضيفان على القضاء الفرنسي، ولكن آن للضيف أن يعود إلى بيته، وطالب بتمصير الفقه، وجعله فقهاً مصرياً خالصاً نرى فيه طابع قوميتنا ونحس أثر عقليتنا، ففقهنا حتى اليوم لا يزال يحتله الأجنبي، الاحتلال هنا فرنسي، وهو احتلال ليس بأخف وطأة ولا أقل عنتاً من أي احتلال آخر.
لذلك كانت أمنية من أغلى الأماني العراض وأعزها لدينا أن يصدر قانون مدني وغير مدني مستمد كله من أحكام الشريعة الإسلامية. قال الدكتور السنهوري (1): أما جعل الشريعة الإسلامية هي الأساس الأول الذي يبنى عليه تشريعنا المدني، فلا يزال أمنية من أعز الأماني التي تختلج بها الصدور، وتنطوي عليها الجوانح. ولكن قبل أن تصبح هذه الأمنية حقيقة واقعة، ينبغي أن تقوم نهضة علمية قوية لدراسة الشريعة الإسلامية في ضوء القانون المقارن.
ومن بدهي القول إعلان أن الشريعة الإسلامية ذات المصدر السماوي الإلهي المستقل لا تزال شريعة حية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، أكد ذلك فقهاء القانون في الغرب والشرق، وعمداء الحقوق في البلاد العربية والأجنبية، ومؤتمرات القانون المقارن والمحامين الدولية في العصر الحديث (2).
قال الدكتور السنهوري (3): «ولا أريد الاقتصار على شهادة الفقهاء المنصفين من علماء الغرب، كالفقيه الألماني كوهلر والأستاذ الإيطالي دلفيشيو والعميد الأمريكي ويجمور وكثيرين غيرهم، يشهدون بما انطوت عليه الشريعة الإسلامية من مرونة وقابلية للتطور، ويضعونها إلى جانب القانون الروماني والقانون الإنكليزي إحدى الشرائع الأساسية الثلاث التي سادت ولا تزال تسود العالم. وقد أشار الأستاذ لا مبير الفقيه الفرنسي المعروف في المؤتمر الدولي للقانون
(1) راجع كتابه الوسيط في شرح القانون المدني الجديد: حاشية ص48.
(2)
انظر قرار مؤتمر القانون المقارن في لاهاي سنة 1938م، ومؤتمر المحامين الدولي في لاهاي سنة 1948، وتوصيات ندوة عمداء كليات الحقوق والقانون والشريعة بالجامعات العربية بجامعة بيروت العربية، عام 1973م، وبجامعة بغداد عام 1974م، وتوصيات ندوة التشريع الإسلامي في مدينة البيضاء، ليبيا عام 1972م، وتوصيات مؤتمر الفقه الإسلامي بالرياض عام 1976م.
(3)
بحث الدكتور السنهوري في مجلة نقابة المحامين بدمشق - السنة الأولى - العدد السابع: ص 506.
المقارن، الذي انعقد في مدينة لا هاي في سنة (1932م) إلى هذا التقدير الكبير للشريعة الإسلامية، الذي بدأ يسود بين فقهاء أوروبا وأمريكا في العصر الحاضر.
ولكني أرجع للشريعة نفسها لأثبت صحة ما قررته. ففي هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصياغة، فأحسنت صياغتها، لصنعت منها نظريات ومبادئ لا تقل في الرقي وفي الشمول وفي مسايرة التطور عن أخطر النظريات الفقهية التي نتلقاها اليوم عن الفقه الغربي الحديث.
وآتي بأمثلة أربعة اضطررت إلى الاقتصار عليها لضيق المقام: يدرك كل مطلع على فقه الغرب أن من أحدث نظرياته في القرن العشرين: نظرية التعسف في استعمال الحق، ونظرية الظروف الطارئة، ونظرية تحمل التبعة، ومسؤولية عديم التمييز. ولكل نظرية من هذه النظريات الأربع أساس في الشريعة الإسلامية لا يحتاج إلا للصياغة والبناء ليقوم على أركان قوية، ويسامت نظريات الفقه الحديث».
وقد أحدثت هذه الصيحة بالاعتراف بالحق دوياً في نفوس واضعي القوانين العربية، ولم يعد مقبولاً بحال ترك مصادرنا الفقهية الإسلامية، وأخذ قانون مترجم ترجمة حرفية عن القانون المدني الفرنسي.
وأثمر هذا الدوي القوي في أفكار القانونيين، فصدر في دنيا العرب قانونان مدنيان مستمدان من الفقه الإسلامي، وهما القانون المدني العراقي عام (1951م)، والقانون المدني الأردني عام (1976م)، وصدر في ليبيا ـ الثورة إلغاء صريح فوري لكل مواد القانون المدني المعارضة للشريعة، وبدئ بوضع قانون جديد مستمد من الفقه الإسلامي، كما بدئ في مصر بوضع مشاريع قوانين مدنية وجزائية مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، غير الملتزمة مذهباً فقهياً معيناً،
وإنما تأخذ من مجموع أحكام المذاهب الإسلامية ـ السنية والشيعية ما يناسب ظروف العصر، وبدأت لجان منبثقة من قرارات وزراء العدل العرب بوضع قانون مدني وآخر جزائي مستمد من الشريعة الإسلامية منذ عام (1980م) وكذا قانون موحد للأحوال الشخصية، وتم إنجاز مشروعات هذه القوانين الثلاثة.
وقد جاء في الأسباب الموجبة للائحة القانون المدني العراقي المكون من 1383 مادة ما يلي: إن قواعد القانون المدني العراقي استمدت من مصادر متباينة، فبعضها أخذ من الفقه الإسلامي مباشرة، وبعضها نقل عن الفقه الإسلامي مقنناً في المجلة، والبعض الآخر هو بقية من القوانين العثمانية العتيقة، وهذه القوانين بدورها قد اشتقت أحكامها بوجه خاص من القانون الفرنسي والعرف المحلي.
والكثرة الغالبة من أحكام القانون العراقي قد خرِّجت على الفقه الإسلامي في مذاهبه المختلفة دون تقيد بمذهب معين، واستطاع مشروع هذا القانون أن يجد في غير عناء مادة خصبة في الفقه الإسلامي يصوغ منها طائفة العقود المسماة، سواء وقع العقد على الملكية كالبيع والهبة والشركة والقرض، أم وقع على المنفعة كالإيجار والإعارة، أو وقع على العمل كالمقاولة وعقد العمل والوكالة والوديعة.
وجاء في نص البيان الصحفي الذي أعلن به مشروع القانون المدني الأردني سنة 1976م المكون من (1449) مادة ما يلي:
اعتمدت لجنة واضعيه على المراجع والمصادر التالية:
1 -
مجلة الأحكام العدلية والفقه الإسلامي بجميع مذاهبه.
2 -
التشريعات والقوانين الأردنية المعمول بها.
3 -
مشروع القانون المدني الموجود حالياً في مجلس الأعيان.