الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً ـ المؤيدات التأديبية (أو العقوبات)
إن مخالفة أحكام الشريعة وارتكاب المعاصي والمنكرات التي حرمتها الشريعة تستوجب عقاباً أخروياً ودنيوياً. والعقوبات الدنيوية نوعان:
1 - عقوبات مقدرة:
وهي التي قدر لها الشرع نوعاً ومقداراً معيناً وهي القصاص، والحدود الخمسة (وهي حد الزنا، وحد القذف، وحد السرقة، وحد الحرابة، وحد شرب الخمر والمسكرات)(1).
2 - عقوبات غير مقدرة وهي التعزيرات:
وهي التي لم يحدد لها الشرع نوعاً ولا مقداراً معيناً، وإنما فوضها إلى تقدير الحكام لتطبيق ما يرونه محققاً للمصلحة بحسب ظروف الجاني والجناية.
والحكمة من تشريع الحدود أو العقوبات عامة: هو زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجرائم الموجبة لها، وصيانة المجتمع عن الفساد، وتخليص الإنسان من آثار الخطيئة، وإصلاح الجاني.
قال ابن تيمية (2) وابن القيم (3): كان من حكمة اِلله سبحانه وتعالى ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال كالقتل والجرح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وتعالى وجوه الزجر الرادعة عن الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل
(1) القصاص: هو عقوبة الإعدام بتعبير العصر، وحد القذف وشرب الخمر: ثمانون جلدة بسوط لا عقدة له مفرقة على أجزاء الجسد ما عدا المقاتل، وحد الزنا: مئة جلدة لغير المتزوج، والرجم بالنسبة للمحصن المتزوج، وحد السرقة: قطع اليد من الرسغ، وحد الحرابة: هو القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي، وتطبق العقوبة بحسب ما يناسب جريمة المحارب.
(2)
رسالته في القياس: ص 85، السياسة الشرعية له: ص 98.
(3)
أعلام الموقعين: 95/ 2، 107 ومابعدها.
الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة. وجعل هذه العقوبات دائرة على ستة أصول: قتل، وقطع، وجلد، ونفي، وتغريم مال، وتعزير.
والجرائم الموجبة للعقوبة البدنية هي ثلاث عشرة جريمة وهي:
القتل، والجرح، والزنا، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والبغي (1)، والحرابة، والردة، والزندقة، وسب الله وسب الأنبياء والملائكة، وعمل السحر، وترك الصلاة والصيام.
وليس في هذه العقوبات قسوة أو تنكيل وتعذيب للمجرم كما يزعم بعض الناس؛ لأن هذه الجرائم الموجبة لها خطيرة تهز كيان المجتمع، ولأنها أنسب عقوبة لزجر المجرم وأمثاله، وأقمع للجريمة ومطاردة المجرمين، وأدعى لتحقيق أمن المجتمع واستقراره.
وحققت العقوبات الشرعية أمناً في السعودية لا يماثله أمن بلد في العالم تطبق فيه العقوبات الوضعية من حبس أو سجن ونحوهما.
والتخلص من ضرر مجرم يتباكى عليه الزاعمون حب الإنسانية والإنسان أوجب من تهديد أمن المجتمع بكامله، عن طريق ترويع المجرمين أمن البيوت والنساء والأطفال، وما يعقبه من العديد من الجرائم والمنكرات.
ولقد أثبت التاريخ أن المجتمع الإسلامي عندما طبق الحدود الشرعية، عاش
(1) البغي: الخروج في حال الشوكة والمنعة على جماعة المسلمين بتأويل نص في حكم شرعي للتوصل إلى حق أو ولاية، والتحصن في بلد ما، وتنظيم ثورة مسلحة على غيرهم، وتطبيق أحكامهم فيما بينهم كالخوارج. وأما الحرابة: فهي قطع الطريق على المارة، بقصد أخذ أموالهم قهراً عنهم أو قتلهم علانية دون اعتماد على تأويل سائغ.
آمناً مطمئناً على أمواله وأعراضه ونظامه، حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه، رغبة في تطهير نفسه، والتكفير عن ذنبه.
هذا مع العلم بأن تطبيق القصاص والحدود يتطلب تشدداً كبيراً في شروط إثبات الجريمة (1)، مما لا نكاد نجد له مثيلاً عند القانونيين، بل إن الحدود ومنها القصاص تسقط بالشبهات عملاً بالحديث النبوي:«ادرؤوا الحدود بالشبهات» وقد توسع الفقهاء في بيان ما هو شبهة مسقطة للحد توسعاً كبيراً، حتى إن مجرد ادعاء الشبهة كادعاء الزوجية في حال الوطء من المتهم يسقط الحد، وكذا هرب المحدود أثناء إقامة الحد يسقط الحد (2).
إن القسوة على المجرم رحمة عامة للمجتمع في مجموعه، حتى يتخلص من الجريمة وخطرها الوبيل، والتضحية بعدد محدود من المجرمين أهون كثيراً من ترك الجريمة تفتك بآلاف الأبرياء. والشريعة الإسلامية هي شريعة الرحمة الحقة بالناس، والله سبحانه أدرى بما يعالج به خطر بعض المجرمين وهو أرحم بهم.
وقد أدى كل هذا إلى أن يكون تطبيق الحد نادراً جداً في المجتمع الإسلامي، فقطع اليد مثلاً في السعودية لا يزيد عن حالة واحدة أو حالتين طوال العام.
وأما العقوبات غير المقدرة أو التعزيرات: فهي العقوبات المشروعة على كل معصية أو منكر أو إيذاء لا حد فيه، سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة، وسواء أكانت الجريمة انتهاكاً للحرمات الدينية والاجتماعية كالأكل في نهار رمضان بغير
(1) ففي السرقة مثلاً يشترط ما يزيد على 12شرطاً. وفي الزنا: يشترط لإثباته بالشهادة شهادة أربعة رجال أحرار عدول يرون الجريمة رؤية بصرية كاملة لا شبهة فيها. وفي القتل يشترط عدة شرائط لتطبيق القصاص منها أن يكون القتل بسلاح ونحوه.
(2)
الدر المختار: 158/ 3 ومابعدها.