الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يحنث؛ لأن كلمة (حتى) تفيد الغاية، وهي بمعنى (إلى) وكلمة (إلى) لانتهاء الغاية، فينتهي اليمين بانتهاء ما بعد (حتى) فيصير وجود الإذن من الحالف غاية لمنع الخروج، فلا تبقى اليمين بعد وجود الغاية. فإذا حدث خروج بعدئذ، لا يحنث إذ لا يمين هناك؛ لأن اليمين سقطت بالإذن، فلا يعتبر النهي بعده. أما قبل الإذن فاليمين باقية فيحنث بالخروج.
ولو نوى بقوله: (حتى آذن لك) حصول الإذن في كل مرة: يصدق ديانة وقضاء، لأنه نوى التشديد على نفسه (1).
3 -
أن يقول:
(إلا أن آذن لك):
إذا قال رجل لامرأته: (أنت طالق إن خرجت من هذه الدار إلا أن آذن لك، أو آمر أو أعلم، أو أرضى) فهذا بمنزلة قوله: (حتى آذن) عند عامة العلماء. فلو أذن لها مرة واحدة، فخرجت، ثم خرجت مرة أخرى بغير إذنه لم يحنث، لأن (إلا أن) كلمة تفيد معنى الغاية، فتنتهي اليمين بها، كما إذا قال:(حتى آذن لك).
والسبب في أن كلمة (إلا أن) تفيد معنى الغاية، مع أنها من حروف الاستثناء: هو أن صدر الكلام الذي قبل أداة الاستثناء ليس من جنس الإذن، حتى يستثنى الإذن منه، فيجعل مجازاً عن كلمة (حتى) لمناسبة بينهما: وهو أن حكم ما قبل الغاية مخالف لما بعدها، كما أن حكم ما قبل الاستثناء يخالف ما بعده.
وقال الفراء من علماء النحو: قول القائل: (إلا أن آذن لك) مثل قوله: (إلا بإذني) يتطلب تكرار الإذن في كل مرة من مرات الخروج، لأن المعنى (إلا خروجاً بإذني)، إذ (أن) والفعل المضارع بعدها في تأويل المصدر، فصار تقدير
(1) انظر المراجع السابقة.
الكلام: (إن خرجت من الدار إلا خروجاً إذني) وهذا كلام غيرمستقيم، فلزم تقدير الباء، فيصير (إلا خروجاً بإذني) وإسقاط الباء في اللفظ مع ثبوتها في التقدير أمر جائز في اللغة، كما روي عن رؤبة بن العجاج أنه قيل له: كيف أصبحت؟ فقال: (خير، عافاك الله) أي بخير. وكذا يحذفون الباء في القسم، فيقولون:(الله) مكان قولهم: (بالله) وإذا كان حذف الباء جائزاً قدرت في الكلام لضرورة تصحيحه، والدليل عليه قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} [الأحزاب:53/ 33] أي إلا بإذن لكم يتكرر بتكرار الدخول في كل مرة.
ورد الحنفية بأن تصحيح الكلام بجعل (إلا) بمعنى (حتى) و (إلى) أولى من تصحيح الكلام بالتقدير الذي قاله الفراء؛ لأن التصحيح بجعل كلمة قائمة مقام أخرى أولى من التصحيح بطريق الإصنمار والتقدير، لأن الأول تغيير بتصرف في الوصف، والإضمار إثبات أصل الكلام، ولا شك أن التصرف في الوصف بالتغيير والتبديل أولى من إثبات أصل الكلام. وأما قوله عز وجل:{إلا أن يؤذن لكم} [الأحزاب:53/ 33] فإنه اقتضى تكرار الإذن في كل مرة لابمقتضى اللفظ، بل بدليل آخر: وهو أن دخول دار الغير بغير إذنه حرام، ولأن الله تعالى قال؛ {إن ذلكم كان يؤذي النبي} [الأحزاب:53/ 33] ومعنى الأذى موجود في كل ساعة، فشرط الإذن في كل مرة (1).
وقال غير الحنفية (2): الحكم في أنواع الألفاظ الثلاثة السابقة واحد، وهو أنه متى خرجت بغير إذنه، طلقت وانحلت يمينه؛ لأن حرف (إن) لا يقتضي
(1) المراجع السابقة.
(2)
المغني: 796/ 8، الشرح الكبير: 148/ 2، 157.