الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعتبر عند الحنابلة وقت الوجوب أي حالة الحنث.
خصال الكفارة:
عرفنا أن كفارة اليمين هي إما الإطعام أو الكسوة أو العتق، فإن عجز عن أحد هذه الخصال صام ثلاثة أيام. فما هو الواجب في كل حالة؟
1 - ما مقدار الإطعام وما المقصود به
؟ قال الحنفية: إن المقصود من الإطعام هو مجرد الإباحة لا التمليك؛ لأن النص القرآني ورد بلفظ الإطعام: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة:89/ 5] والإطعام في متعارف اللغة: هو التمكين من المطعم أي (الآكل) لا التمليك، وكذا إشارة النص دليل على قولهم، لأن الله تعالى:{إطعام عشرة مساكين} [المائدة:89/ 5] والمسكنة: هي الحاجة، وهو محتاج إلى أكل الطعام دون تملكه، فكان في إضافة الإطعام إلى المساكين إشارة إلى أن الإطعام هو الفعل الذي يصير المسكين به متمكناً من الطعام لا التمليك، بخلاف الزكاة وصدقة
الفطر والعشر الواجب على الزروع البعلية، لا بد فيها من التمليك؛ لأن النص ورد فيها بلفظ الإيتاء لا بلفظ الإطعام (1).
وقال الجمهور: لا بد من تمليك الطعام للفقراء ككل الواجبات المالية؛ لأن الواجب المالي لا بد من أن يكون معلوم القدر ليتمكن المكلف من الإتيان به، والطعام المباح للغير ليس له قدر معلوم، لا سيما وأن كل مسكين يختلف عن الآخر صغراً وكبراً، جوعاً وشبعاً (2).
والخلاصة: إن التمليك عند الحنفية ليس بشرط لجواز الإطعام، بل الشرط هو التمكين، فيكفي دعوة المساكين إلى قوت يوم: وهو غداء وعشاء، فإذا حضروا
(1) المبسوط: 151/ 8، البدائع: 100/ 5، الدر المختار ورد المحتار لابن عابدين: 3/ 67، الفتاوى الهندية: 58/ 2.
(2)
الشرح الكبير للدردير: 132/ 2، حاشية قليوبي وعميرة على شرح المحلي للمنهاج: 274/ 4، المغني: 734/ 8، 736، 738، 739، 741.
وتغدوا وتعشوا كان ذلك جائزاً. وعند غير الحنفية: لا بد من التمليك بالفعل أخذاً.
ويجب أن يكون المخرج سالماً من العيب، فلا يكون الحب مسوساً، ولا متغيراً طعمه ولا فيه زوان أو تراب يحتاج إلى تنقية، وكذلك دقيقه وخبزه؛ لأنه مخرج في حق الله تعالى عما وجب في الذمة، فلم يجز أن يكون معيباً كالشاة في الزكاة.
وأما مقدار الإطعام: فاختلف العلماء فيه بسبب اختلافهم في تأويل قوله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم} [المائدة:89/ 5] فمن قال: المراد أكلة واحدة قال: المد وسط في الشبع، ومن قال: المراد قوت اليوم وهو غداء وعشاء قال: الواجب نصف صاع أي مدان (1).
وبناء عليه قال الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: يعطى لكل مسكين مد من الحنطة كصدقة الفطر إلا أن الإمام مالك قال: المد خاص بأهل المدينة فقط لضيق معايشهم، وأما سائر المدن فيعطون الوسط من نفقتهم. وقال ابن القاسم: يجزئ المد في كل مدينة (2).
ويجوز عند الشافعية: مدّ حب من غالب قوت بلد الحانث. والأفضل بالاتفاق إخراج الحب؛ لأن فيه خروجاً من الخلاف. ولا يجوز عند الجمهور إخراج قيمة الطعام والكسوة، عملاً بنص الآية: {فكفارته إطعام عشرة مساكين
…
} [المائدة:89/ 5].
(1) الصاع: أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بالرطل العراقي، والرطل العراقي (130) درهماً، والدرهم 2،975غم، أي أن المد يساوي 675 غم والصاع يساوي 2751 غم.
(2)
بداية المجتهد: 404/ 1، مغني المحتاج: 327/ 4، المغني: 736/ 8، القوانين الفقهية: ص 165.
وقال الحنفية: مقدار الإطعام نصف صاع من بر، أو صاع من تمر أو شعير أو من دقيق الحنطة أو الشعير أو قيمة هذه الأشياء من النقود: دراهم أو دنانير أو من عروض التجارة كما هو المقرر في صدقة الفطر. قالوا: وقد ثبت ذلك عن سادتنا عمر وعلي وعائشة، وبه قال جماعة من التابعين: سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد والحسن.
وأما مقدار طعام الإباحة عند الحنفية: فأكلتان مشبعتان: غداء وعشاء، وكذلك إذا غداهم وسحرهم، أوعشاهم وسحرهم، أو غداهم غداءين ونحوهما؛ لأنهما أكلتان مقصودتان.
وسواء أكان الطعام خبزاً مع الإدام، أم بغير الإدام: لأن الله تعالى لم يفصل بين الطعام المأدوم وغيره، في قوله سبحانه:{فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة:89/ 5].
وكذلك لو أطعم خبز الشعير أو تمراً أجزأه؛ لأنه قد يؤكل وحده في طعام الأهل.
ولو أطعم مسكيناً واحداً عشرة أيام غداء وعشاء، أو أعطى مسكيناً واحداً عشرة أيام، كل يوم نصف صاع، جاز عند الحنفية؛ لأن المقصود سد حاجة عشرة مساكين، وقد تحقق. ولا يجوز ذلك عند المالكية والشافعية؛ لأنه لا بد من توزيع الطعام على عشرة مساكين فعلاً بالاتفاق. وقال الحنابلة: إذا وجد عشرة فقراء، لم يجزئه الصرف إلى فقير واحد في عشرة أيام، وإذا لم يجد غير فقير واحد أو خمسة مثلاً، أجزأه ذلك للضرورة. والخلاصة: لابد من إطعام عشرة مساكين فعلاً، والخلاف محصور فيما لو أطعم واحداً عشرة أيام، يجوز عند الحنفية ولا يجوز عند غيرهم.
ولو أطعم عشرة مساكين في يوم غداء، ثم أعطى كل واحد مداً من الحنطة جاز؛ لأنه جمع بين التمليك، وطعام الإباحة، ولأن كل وجبة طعام مقدرة بمد. وكذلك لو غدى رجلاً واحداً عشرين يوماً، أو عشى رجلاً في شهر رمضان عشرين يوماً جاز؛ لأن المقصود قد حصل.
أما لو أعطى مسكيناً واحداً طعام عشرة، في يوم واحد، دفعة واحدة: لم يجز؛ لأن الله تعالى أمر بسد جوعة عشرة مساكين إما مرة واحدة أو موزعة على الأيام، وهذا لم يحصل هنا.
وأجاز أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله إعطاء فقراء أهل الذمة من الكفارات والنذور لا الزكاة، لعموم قوله تعالى:{فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة:89/ 5] من غير تفرقة بين المؤمن والكافر. واستثنيت الزكاة بقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم» (1).
وقال أبو يوسف: لا يجوز إعطاء الذميين من الأموال الإسلامية إلا النذور والتطوعات ودم التمتع في الحج؛ لأن الكفارة صدقة أوجبها الله، فلا يجوز صرفها إلى الكافر كالزكاة، بخلاف النذر، لأنه وجب بإيجاب الإنسان، والتطوع ليس بواجب أصلاً، والتصدق بلحم المتعة في الحج غير واجب؛ لأن التقرب إلى الله في إراقة الدم (2).
(1) رواه الجماعة: أحمد وأصحاب الكتب الستة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن، وفيه:«فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم» (انظر نيل الأوطار: 114/ 4، نصب الراية: 327/ 2).
(2)
انظر المبسوط: 149/ 8 ومابعدها، البدائع: 101/ 5 - 105، فتح القدير: 18/ 4، الدر المختار: 66/ 3، الفتاوى الهندية: 58/ 2.