الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس ـ أحكام لحوم الضحايا:
يتحقق المقصود من الأضحية، وهو القربة بإراقة الدم (1)، وأما الأكل منها وتوزيعها ونحوهما ففيه خلاف يسير بين الفقهاء، الجمهور في جانب، والشافعية في جانب آخر، ورأي الجمهور أولى لاتفاقه مع ظاهر السنة النبوية.
1 - قال جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة)
(2):
يجوز الأكل من الأضحية المتطوع بها، أما المنذورة، أو الواجبة بالشراء عند الحنفية فيحرم الأكل منها، كما يحرم الأكل من ولد الأضحية التي تلده قبل الذبح، أو من المشتركة بين سبعة نوى أحدهم بحصته القضاء عن الماضي. أما عند المالكية والحنابلة فيجوز الأكل من المنذورة كالمتطوع بها. والمستحب أن يجمع المضحي في حالة التطوع، أو في حالة النذر عند المالكية والحنابلة بين الأكل منها، والتصدق، والإهداء، ولو أكل الكل بنفسه أو ادخره لنفسه فوق ثلاثة أيام، جاز مع الكراهة عند الحنفية والمالكية. وجاز أكل الأكثر عند الحنابلة، فإن أكل الكل ضمن أقل ما يطلق عليه اسم اللحم كالأوقية. وليس للجمع بين الأمور الثلاثة في المشهور عند المالكية حد مقدر في ذلك بثلث ولاغيره.
والمستحب عند الحنفية والحنابلة أن تكون نسبة التوزيع أثلاثاً، فيأكل ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها لأقاربه وأصدقائه ولو أغنياء، ويتصد ق بثلثها على
(1) مغني المحتتاج: 291/ 4.
(2)
البدائع:80/ 5 ومابعدها، الدر المختار: 230/ 5، تبيين الحقائق: 8/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 76/ 8 ومابعدها، اللباب: 236/ 3، بداية المجتهد: 424/ 1، الشرح الكبير والدسوقي: 122/ 2، 126، القوانين الفقهية: ص 190 ومابعدها. المغني: 632/ 8 - 635،كشاف القناع: 10/ 3، 16، 18 ومابعدها، شرح العلامة زروق على رسالة القيرواني: 377/ 1.
المساكين، ودليلهم عليه: قوله تعالى:
{فكلوا منها، وأطعموا القانع، والمعتر} (1)[الحج:36/ 22]، {وأطعموا البائس الفقير} [الحج:28/ 22] وأوجب الحنابلة الإطعام عملاً بالآيتين؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب.
ودليل نسبة التوزيع أثلاثاً عند غير المالكية: ما روى ابن عباس في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم: «ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السُؤَّال بالثلث» (2). وجهات التوزيع ثلاثة: الأكل، والادخار، لما ثبت في الحديث، والإطعام لما ثبت في الآية، فانقسم عليها ثلاثاً.
ودليل المالكية على عدم وجود نسبة للتوزيع، وأنها مطلقة: أحاديث عائشة وجابر، وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد وبريدة وغيرهم، التي ورد فيها:«كلوا، وادخروا، وتصدقوا» أو: «كلوا وأطعموا، وادخروا» (3).
والدليل على جواز ادخار لحوم الأضاحي عدا المذكور: قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل الدافَّة (4)، وقد جاء الله بالسعة، فادخروا ما بدا لكم» (5).
ويحرم بيع جلد الأضحية وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها وشعرها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد ذبحها، واجبة كانت أو تطوعاً؛ لأن
(1) القانع: السائل الفقير، والمعتر الذي يعتريك أو يتعرض لك بالسؤال لتطعمه، ولا يسأل.
(2)
رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف، وقال: حديث حسن. وهو قول ابن مسعود وابن عمر، بدون مخالف من الصحابة.
(3)
انظر نيل الأوطار: 126/ 5 ومابعدها.
(4)
الدافة: جماعة من الأعراب، كانوا قد دخلوا المدينة طلباً للزاد، لأن السنة أهلكتهم في البادية.
(5)
رواه مسلم، وفي حديث عائشة:«إنما نهيتكم من أجل الدافّة، فكلوا، وادخروا وتصدقوا» متفق عليه.
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقسم جلودها ونهى عن بيعها، فقال:«من باع جلد أضحيته، فلا أضحية له» (1).
ولا يجوز إعطاء الجزار أو الذابح جلدها أو شيئاً منها كأجرة للذبح، لما روى علي رضي الله عنه قال:«أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدْنه (أي عند نحرها)، وأن أقسم جلودها، وجلالها (2)، وألا أعطي الجازر شيئاً منها» وقال: «نحن نعطيه من عندنا» (3).
فإن أعطي الجزار شيئاً من الأضحية لفقره، أو على سبيل الهدية، فلا بأس؛ لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره، بل هو أولى، لأنه باشرها، وتاقت نفسه إليها.
وللمضحي أن ينتفع بجلد الأضحية لاستعماله في البيت كجراب وسقاء وفرو وغربال ونحوها، ولكن له استحساناً عند الحنفية خلافاً لغيرهم: أن يشتري به ما ينتفع بعينه مع بقائه أي مبادلته بعروض (أمتعة) أخرى؛ لأن للبدل حكم المبدل، والمعاوضة بالعروض من باب الانتفاع. ولا يجوز أن يشتري به شيئاً استهلاكياً كالدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات، أي فلا يجوز البيع بالنقود أو السلع الاستهلاكية.
ودليل جواز الانتفاع بالجلد: أن عائشة رضي الله عنها اتخذت من جلد أضحيتها سقاء.
(1) رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه البيهقي أيضاً (نصب الراية: 218/ 4) وروى أحمد أيضاً حديثاً عن أبي سعيد، وفيه:«ولا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي» (نيل الأوطار: 129/ 5).
(2)
الجلال: ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه، ويجمع أيضاً على: أجلة، ومفرده: جلال بضم الجيم.
(3)
متفق عليه.