الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تلزم بالنذر قطعاً بدون خلاف، وكون الاعتكاف يلزم بالنذر وهو أنه يوجد من جنسه في الشرع ماهو واجب وهو الوقوف بعرفة والقعدة الأخيرة في الصلاة، فهذان يعتبران مكثاً كالاعتكاف (1).
ولو قال شخص:
(لله علي أن أصوم يوم النحر، أو أيام التشريق)
يصح نذره عند أبي حنيفة وصاحبيه؛ لأنه نذر بقربة مقصودة، فيصح النذر، كما لو نذر الصوم في غير هذه الأيام.
وقال جمهور العلماء وزفر من الحنفية: لايصح نذر يوم العيد أو أيام التشريق؛ لأنه نذر بما هو معصية؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الصوم في هذه الأيام، فقال:«ألا لاتصوموا، فإنها أيام أكل وشرب» (2) والمنهي عنه يكون معصية، والنذر بالمعاصي لايصح بدليل قوله عليه السلام:«لانذر في معصية الله، ولا فيما لايملكه ابن آدم» (3).
ولو قال:
(لله علي أن أحج ماشيا ً)
يلزمه الحج ماشياً باتفاق الفقهاء، لأنه التزم المشي، وفيه زيادة قربة، قال عليه السلام:«من حج ماشياً فله بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم» ، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واحدة بسبع مئة» (4) فإن عجز عن المشي ركب، وعليه دم، أي شاة عند الحنفية والمالكية
(1) مغني المحتاج: 370/ 4.
(2)
هذا الحديث رواه أصحاب السنن وابن حبان والحاكم والبزار عن عقبة بن عامر بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيام التشريق: أيام أكل وشرب وصلاة فلا يصومها أحد» وروى البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر» (راجع تخريج أحاديث تحفة الفقهاء للمؤلف مع الأستاذ الكتاني: 296/ 1).
(3)
المراجع السابقة في بحث شروط المنذور به، البدائع: 83/ 5.
(4)
رواه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد عن زاذان رضي الله عنه، ولفظه مختصراً:«من حج من مكة ماشياً حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبع مئة حسنة، كل حسنة مثل حسنات الحرم. قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: بكل حسنة مئة ألف حسنة» (الترغيب والترهيب: 166/ 2).
والشافعية، وفي رواية عن أحمد. وأضاف مالك رضي الله عنه أن الناذر يرجع عند العجز، ثم يمشي مرة أخرى من حيث عجز، والدم عنده أي الهدي هو بدنة أو بقرة، أو شاة إن لم يجد بقرة أو بدنة (1). ودليل هذه المسألة ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عقبة بن عامر أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله الحرام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله: فقال: «إن الله لغني عن نذر أختك، لتركب،، ولتهد ِ بدنة» (2) ولأن المشي صار بالنذر نسكاً واجباً، فوجب بتركه الدم كالإحرام من الميقات.
والأرجح عند الحنابلة أنه إذا عجز عن المشي ركب، وعليه كفارة يمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخت عقبة بن عامر لما نذرت المشي إلى بيت الله:«لتمش ولتركب، ولتكفر عن يمينها» أخرجه أبو داود، وفي رواية الجوزجاني والترمذي وبقية أصحاب السنن:«فلتصم ثلاثة أيام» ولقوله عليه السلام: «كفارة النذر كفارة يمين» (3) ولأن المشي مما يوجبه الإحرام فلم يجب الدم بتركه، وحديث الهدي ضعيف كما أشرنا في الحاشية.
(1) انظر البدائع: 84/ 5، بداية المجتهد: 411/ 1، مغني المحتاج: 363/ 4 ومابعدها، المهذب: 245/ 1 ومابعدها، المغني: 8/ 9.
(2)
رواه أبو داود عن عبد الله بن عباس بهذا اللفظ، ورواه أحمد وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما بلفظ:«إن الله غني عن نذر أختك، ولتركب ولتصم ثلاثة أيام» ورواه أحمد وأصحاب الكتب الستة عن عقبة بن عامر بلفظ: «لتمش ولتركب» وفي رواية: «إن الله تعالى لا يصنع بشقاء أختك شيئاً، مرها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام» (جامع الأصول: 185/ 12، مجمع الزوائد: 189/ 4، نصب الراية: 305/ 3، نيل الأوطار: 246/ 8، سبل السلام: 113/ 4).
(3)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر بلفظ: «كفارة النذر كفارة يمين» وهو حديث صحيح، وهناك روايات أخرى استوفيناها في تخريج أحاديث تحفة الفقهاء: 464/ 2 وما بعدها.