الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الدكتور السنهوري: إنه يمكن رد مصادر الحقوق في الفقه الإسلامي (سواء بالنسبة للالتزامات أم بالنسبة للحقوق العينية) إلى مصدرين اثنين، كما في الفقه الغربي أو القوانين الوضعية وهما:
التصرف القانوني، والواقعة القانونية (1).
والتصرف الشرعي أو القانوني يشمل العقد والإرادة المنفردة. والواقعة الشرعية أو القانونية تشمل الفعل الضار والفعل النافع.
ويلاحظ أخيراً أن الإقرار لا يعد منشئاً للحق، وإنما هو إخبار بالحق على الرأي الراجح عند الفقهاء. كما أن قضاء القاضي لا يعد منشئاً للحق، وإنما هو مظهر للحق وكاشف له، إلا إذا قضى القاضي بشهادة زور، ولم يكتشف الزور فيها، فإن قضاءه يعد منشئاً للحق ظاهراً أي قضاء لا ديانة.
وهذه هي المسألة المعروفة في الفقه الإسلامي بأن قضاء القاضي ينفذ ظاهراً وباطناً، أو ظاهراً فقط، وهي محل خلاف بين الفقهاء.
المبحث الرابع ـ أحكام الحق
أحكام الحق: هي آثاره المترتبة عليه بعد ثبوته لصاحبه، وأحكامه ما يأتي:
1 - استيفاء الحق:
لصاحب الحق أن يستوفي حقه بكل الوسائل المشروعة.
أـ واستيفاء حق الله تعالى في العبادة يكون بأدائها على الوجه الذي رسمه الله تعالى للعبادة إما في الأحوال العادية (العزيمة)، أو في الأحوال الاستثنائية (الرخصة) مثل قصر الصلاة، وإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر، والتيمم بالتراب بدل الماء أثناء المرض أو فقد الماء، والنيابة في الحج للعاجز عنه، وإباحة النطق بالكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان حال الإكراه عليه.
(1) مصادر الحق في الفقه الإسلامي للسنهوري: 69/ 1.
فإن امتنع الشخص عن أداء العبادة: فإن كان الحق مالياً كالزكاة أخذه الحاكم جبراً عنه ووزعه في مصارفه الشرعية. وإن كان غير مال حمله الحاكم على فعله بما يملك من وسائل إن ترك الحق ظاهراً، وإلا عاقبه الله في الدنيا بالمحن والآلام، وفي الآخرة بالعذاب الأليم.
واستيفاء حق الله تعالى في منع الجرائم والمنكرات يكون بامتناع الناس عنها، فإن لم يكفّ الناس عنها، كان حق الله إقامة العقوبة، ويستوفيها ولي الأمر أو نائبه بعد إصدار الحكم القضائي بها منعاً من التظالم وإثارة الفتن والعداوات، وشيوع الفوضى وانهيار المجتمع.
ب ـ واستيفاء حق الإنسان (العبد): يكون بأخذه من المكلف به باختياره ورضاه، فإن امتنع من تسليمه: فإن كان الموجود تحت يده عين الحق كالمغصوب والمسروق والوديعة، أو جنس الحق كأمثال العين المغصوبة عند هلاكها، ولكن ترتب على أخذه من قبل صاحب الحق نفسه فتنة أو ضرر في الحالتين أو كان الموجود تحت يده من خلاف جنس الحق مطلقاً، فليس لصاحب الحق باتفاق الفقهاء استيفاؤه بنفسه، وإنما بواسطة القضاء.
أما إذا كان الموجود تحت يد الآخذ مالاً من جنس الحق، ولم يترتب على الأخذ بطريق خاص فتنة أو ضرر، فالمشهور عند المالكية والحنابلة أن صاحب الحق يستوفيه بواسطة القضاء (1)، لقوله صلى الله عليه وسلم:«أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» (2)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لهند زوجة أبي سفيان بأخذ حقها ولو لم يعلم زوجها بقوله:«خذي مايكفيك وولد ك بالمعروف» (3) فدل على أنه لا بد من القضاء لأخذ عين الحق أو جنسه.
(1) الشرح الكبير للدردير: 335/ 4، القوانين الفقهية: ص359، المغني: 254/ 8 ومابعدها.
(2)
رواه الترمذي وأبو داود وحسنه وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة.
(3)
رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة إلا الترمذي (نيل الأوطار، 323/ 6، سبل السلام: 219/ 3).