الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - اليمين المنعقدة أو المعقودة أو المؤكدة:
هي ما يحلف على أمر المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وحكم هذه اليمين وجوب الكفارة عند الحنث (1) لقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان، فكفارته
…
} [المائدة:89/ 5]، الآية. والمراد به اليمين في المستقبل، بدليل قوله تعالى:{واحفظوا أيمانكم} [المائدة:89/ 5]، ولا يتصور الحفظ عن الحنث والمخالفة إلا في المستقبل، ولأنه تعالى قال:{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} [النحل:91/ 16]، والنقض إنما يتصور في المستقبل (2).
ووجوب الكفارة في هذه اليمين أمر مقرر بالاتفاق بعد الحنث، سواء أكانت اليمين على فعل واجب، أم ترك واجب، أم فعل معصية، أم ترك مندوب أم ترك المباح أم فعله (3).
فإن كانت اليمين على فعل واجب مثل قوله: (والله لأصلين صلاة الظهر اليوم) أو: (لأصومن رمضان) فإنه يجب عليه الوفاء بيمينه، ولا يجوز له الامتناع عنه لقوله صلى الله عليه وسلم:«من نذر أن يطيع الله فليطعه» (4) فإن امتنع عن البر يأثم ويحنث (5) ويلزمه الكفارة (6).
(1) الحنث: الإثم والذنب من حنث بكسر النون يحنث بفتحها.
(2)
المبسوط: 8 ص 127، فتح القدير: 4 ص 5، تبيين الحقائق: 3 ص 109، البدائع: 3ص 17، المغني: 683/ 8، 689.
(3)
البدائع: المرجع والمكان السابق.
(4)
رواه البخاري وأحمد وأصحاب السنن الأربعة عن عائشة رضي الله عنها، وتتمة الحديث:«ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» (راجع نصب الراية: 3 ص 300، نيل الأوطار: 8ص240).
(5)
البر: هو الموافقة لما حلف عليه. والحنث: مخالفة ما حلف عليه من نفي أو إثبات، والبر عند المالكية: لا يكون إلا بأكمل الوجوه، والحنث يتحقق بأقل الوجوه، فمن حلف أن يأكل رغيفاً، لم يبر إلا بأكل جميعه، وإن حلف ألا يأكله، حنث بأكل بعضه (القوانين الفقهية: ص 161) وقال الحنفية: لا يتحقق البر والحنث إلا بفعل كل المحلوف عليه (البدائع: 3 ص 12، مختصر الطحاوي: ص 308).
(6)
البدائع: المرجع السابق، المغني: 8 ص 682.
وإن كانت اليمين على ترك الواجب أو على فعل المعصية كأن قال: (والله لا أصلي صلاة الفرض) أو: (لا أصوم رمضان) أو قال: (والله لأشربن الخمر) أو: (لأقتلن فلانا ً) أو: (لا أكلم والدي) ونحو ذلك، فإنه يجب عليه للحال الكفارة بالتوبة والاستغفار، ثم يجب عليه الحنث والكفارة بالمال؛ لأن عقد هذه اليمين معصية (1) وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه» (2).
وإن كانت اليمين على ترك المندوب مثل: (والله لا أصلي نافلة، ولا أصوم تطوعاً، ولا أعود مريضاً ولا أشيع جنازة) ونحو ذلك، أو على فعل المكروه مثل:(والله لألتفت في الصلاة) فالأفضل له ألا يفعل المكروه ويفعل المندوب أي يحنث، ويكفر عن يمينه، للحديث السابق:(من حلف على يمين .. ) ولقوله تعالى: {ولا يأتل (3) أولو الفضل منكم والسعة} .. [النور:22/ 24] الآية، نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد حلف ألا يبرّ مِسْطحاً بسبب اشتراكه في حديث الإفك على عائشة (4).
وإن كانت اليمين على مباح تركاً أو فعلاً، كدخول دار، وأكل طعام، ولبس ثوب ونحوه، فالأفضل له البر أي ترك الحنث، لما فيه من تعظيم الله تعالى، وقد
(1) البدائع: المرجع نفسه، مغني المحتاج: 4 ص 325، المغني: 8 ص 682.
(2)
رواه أحمد في مسنده ومسلم والترمذي وصححه عن أبي هريرة، ورواه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه عن عبد الرحمن بن سمرة، ورواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عدي بن حاتم وروي عن غير هؤلاء أيضاً (راجع جامع الأصول: 12 ص 300، مجمع الزوائد: 4 ص 183، نصب الراية: 3 ص 296، نيل الأوطار: 8 ص 237، سبل السلام: 4 ص 103).
(3)
أي لايحلف، وقيل: المراد لايمتنع.
(4)
البدائع: 3 ص 16، مغني المحتاج: 4 ص 326، المغني: 8 ص 681 وما بعدها.