الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأساس هذه القاعدة هو قصد الضرر أيضاً كالقاعدة الأولى، ويعرف ذلك بالأدلة والقرائن التي تعين القصد.
القاعدة الثالثة ـ ترتب ضرر أعظم من المصلحة:
إذا استعمل الإنسان حقه بقصد تحقيق المصلحة المشروعة منه، ولكن ترتب على فعله ضرر يصيب غيره أعظم من المصلحة المقصودة منه، أو يساويها، منع من ذلك سداً للذرائع، سواء أكان الضرر الواقع عاماً يصيب الجماعة، أو خاصاً بشخص أو أشخاص. والدليل على المنع قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا ضرر ولا ضرار» (1) وعلى هذا فإن استعمال الحق يكون تعسفاً إذا ترتب عليه ضرر عام، وهو دائماً أشد من الضرر الخاص، أو ترتب عليه ضرر خاص أكثر من مصلحة صاحب الحق أو أشد من ضرر صاحب الحق أو مساو لضرر المستحق. أما إذا كان الضرر أقل أو متوهماً فلا يكون استعمال الحق تعسفاً.
من أمثلة الضرر العام بالأمة أو بالجماعة: الاحتكار: وهو شراء ما يحتاجه الناس وادخاره لبيعه وقت غلاء الأسعار وحاجة الناس إليه. وهو ممنوع للحديث النبوي: «الجالب مرزوق والمحتكر ملعون» «لا يحتكر إلا خاطئ» (2).
ومنه تلقي الركبان: وهو تلقي التاجر للوافدين من الريف إلى المدينة لبيع محاصيلهم، وشراؤها بثمن أقل من السعر القائم، وبيعها لأهل المدينة بثمن مرتفع. وهذا حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الركبان (3).
(1) حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً عن أبي سعيد الخدري، ورواه مالك مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبيه.
(2)
الحديث الأول ضعيف رواه ابن ماجه عن عمر، والحديث الثاني صحيح رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن معمر بن عبد الله العدوي (نيل الأوطار: 220/ 5).
(3)
متفق عليه بين أحمد والشيخين عن ابن مسعود بلفظ «نهى النبي عن تلقي البيوع» ولفظ البخاري عن ابن عباس «لا تلقوا الركبان» (نيل الأوطار: 166/ 5، سبل السلام: 20/ 3 - 21).
ومنه بيع السلاح أثناء الفتنة، وبيعه لقطاع الطرق، وبيع العنب للخمار، وبيع السلع بأكثر من ضعف القيمة، فذلك يضر الجماعة، فيمنع التاجر منه، ولولي الأمر عند الحنفية والمالكية تسعير السلع بالربح المعقول. فإن أبوا من ذلك بيعت السلع جبراً عنهم.
كذلك لولي الأمر منع الناس من زراعة المخدرات، وزراعة أشياء لا تحتاج إليها الأمة أو تحتاج إلى غيرها.
ومثال الضرر الخاص الأشد: فتح نافذة في بناء تطل على مقر نساء الجار إلا إذا كانت أعلى من مستوى النظر. وقد منع الرسول عليه السلام سمرة بن جندب من دخول بستان لأحد الأنصار لتفقد نخله بسبب تأذي الأنصاري من دخوله (1)؛ لأن الضرر في الدخول كان أشد من عدم تفقد صاحب النخل نخله.
ومثال الضرر الخاص المساوي للمصلحة: أن يفعل مالك الدار فيها شيئاً يتضرر به جيرانه. رأى أبو حنيفة منعه من ذلك دفعاً للضرر الذي يصيب غيره، والضرر يجب رفعه لقوله عليه السلام:«لا ضرر ولا ضرار» .
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يمنع صاحب الحق حينئذ من استعمال حقه مراعاة لحق المالك، لتساويهما في الضرر، فيرجح حق المالك عملاً بما يبيحه له ملكه من استعمال وانتفاع.
ومثال الضرر القليل: بناء جدار أو غرس شجر في أرضه، مما يترتب عليه حجب الهواء عن جاره، لا يمنع منه المالك ولا يكون تعسفاً؛ إذ لا بد من مثل هذا الضرر القليل عادة أثناء الانتفاع بالحق.
(1) رواه مسلم ومالك وأحمد وابن ماجه (شرح مسلم: 47/ 11).