الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرورة، ومكروه للهو، وحرام إذا كان عبثاً لغير نية، للنهي عن تعذيب الحيوان لغير فائدة.
المبحث الثاني ـ شروط إباحة الصيد:
يشترط لإباحة الصيد خمسة عشر شرطاً عند الحنفية (1)، وستة عشر شرطاً عند المالكية (2)، وأجملها الشافعية والحنابلة (3) في شروط سبعة.
وهذه الشروط هي في الصائد، وفي آلة الصيد، وفي المصيد.
ويلاحظ أن مجموع هذه الشروط هو لحالة ما يحل أكله ولم يدركه حياً، فإن أدركه حياً وجب ذبحه، وهي شروط في صيد البر، أما صيد البحر فيجوز مطلقاً، سواء صاده مسلم أو كافر على أي وجه كان.
المطلب الأول ـ شروط الصائد:
شروط الصائد خمسة عند الحنفية، ستة أو سبعة عند المالكية وهي:
1 -
أن يكون الصائد من أهل الذكاة أي ممن تقبل تذكيته شرعاً، كما تقدم في الذبائح وهذا شرط متفق عليه. فيجوز صيد المسلم اتفاقاً، ولا يجوز صيد الوثني والمرتد والمجوسي والباطني اتفاقاً؛ لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة، والجارحة آلة كالسكين، وعقر الصائد الحيوان بمنزلة إفراء الأوداج، ولا يجوز صيد المجنون عند الجمهور خلافاً للشافعية؛ لأن الصائد بمنزلة المذكي فتشترط الأهلية فيه. ويجوز
(1) رد المحتار على الدر المختار: 328/ 5، تكملة الفتح: 174/ 8، 180 ومابعدها.
(2)
القوانين الفقهية: ص 175 - 178، الشرح الكبير: 103/ 2 - 106، بداية المجتهد: 441/ 1 - 448.
(3)
مغني المحتاج: 266/ 4 ومابعدها، المهذب:253/ 1 ومابعدها، المغني: 539/ 8 - 545، كشاف القناع: 214/ 6 - 225.
صيد الكتابي (اليهودي والنصراني) في المذاهب الأربعة، لكن قيد الشافعية حل اصطياده وذبحه بألا يعلم تهود آباء اليهودي بعد مجيء الإسلام الناسخ لليهودية، وبأن يعلم تنصر آباء النصراني قبل الإسلام. فإن كان أبو الكتابي مجوسياً وأمه كتابية، أو بالعكس، فمالك يعتبر الوالد، والشافعي يعتبر الأم، وأبو حنيفة: يعتبر أيهما كان ممن تجوز تذكيته، فالمتولد بين مشرك وكتابي ككتابي؛ لأنه أخف؛ لأن الولد يتبع أخف الأبوين ضرراً.
وأحمد: يعتبر المتولد من كتابي ومشرك كولد مجوسية من كتابي مثل المشرك لا يؤكل صيده (1).
2 -
ألا يشاركه في الإرسال من لا يحل صيده: وهذا شرط اتفاق أيضاً. ويمكن جعل الشرط الأول والثاني واحداً. ودليل هذا الشرط حديث عدي بن حاتم الذي فيه: «ما لم يُشركها كلب ليس معها» فهو يدل على أنه لا يحل أكل ما شاركه كلب آخر في اصطياده.
فلو شارك مجوسي مسلماً في اصطياد أو ذبح، أو اشتركا في إرسال كلبين أو سهمين، ولم يسبق كلب المسلم أو سهمه، فجرحا المصيد، أو جهل الجارح، لم يؤكل المصيد أو المذبوح؛ لأنه اجتمع المبيح والمحرِّم، فتغلب جهة المحرم احتياطاً، مما يدل على أن المبدأ في الأطعمة في المذاهب الأربعة هو تغليب التحريم (2). ويطبق ذلك أيضاً على حالة الاشتراك بين كلب معلم وغير معلم، أو كلب لم يذكر اسم الله تعالى عليه عمداً مع ما ذكر، عند الجمهور مشترطي التسمية.
3 -
أن ينوي الاصطياد أو يوجد منه الإرسال ـ إرسال الجارحة على الصيد،
(1) القوانين الفقهية: ص 176، الدر المختار ورد المحتار: 210/ 5، كشاف القناع: 215/ 6.
(2)
اللباب: 219/ 3 ومابعدها، الشرح الكبير: 105/ 2، مغني المحتاج: 226/ 4، كشاف القناع: 215/ 6، المهذب: 253/ 1.
وهو شرط متفق عليه، فإن استرسلت بنفسها، فقتلت، لم يبح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم المتقدم:«إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه، فكل ما أمسك عليك» ، ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه.
وإن استرسل الجارح بنفسه، فسمى صاحبه، وزجره، فزاد في عدْوه، أبيح صيده عند الحنابلة والحنفية؛ لأن الزجر مثل الإرسال، ولا يباح عند المالكية، والشافعي في الأصح، لاجتماع
الإرسال بنفسه والإغراء، فغلب جانب المنع (1)، والأول أرجح في تقديري.
4 -
ألا يترك التسمية عامداً، وهذا شرط عند الجمهور، وعند الشافعية ليس بشرط، والسنة أن يسمي الصائد الله تعالى عند الرمي أو إرسال الجارح، كما يسمي الذابح عند الذبح بأن يقول بسم الله، أو يضيف إليه:«والله أكبر» ، للحديث السابق المذكور فيه التسمية. فإن ترك القانص التسمية عمداً لم يؤكل المصيد عند الجمهور، لقوله تعالى:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام:121/ 6] وقوله سبحانه: {فكلوا مما أمسكن عليكم، واذكروا اسم الله عليه} [المائدة:4/ 5]. وإن ترك التسمية سهواً يؤكل المصيد عند المالكية والحنفية، ولا يؤكل عند الحنابلة (2) بعكس الذبيحة تؤكل عندهم في حال ترك التسمية سهواً، لقول ابن عباس:«من نسي التسمية فلا بأس» . وروى سعيد بن منصور بإسناده عن راشد بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذبيحة المسلم حلال، وإن لم يسم ما لم يتعمد» . وقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}
(1) المغني: 541/ 8 ومابعدها، الشرح الكبير: 104/ 2، مغني المحتاج: 276/ 4، تكملة الفتح: 181/ 8.
(2)
المغني: 540/ 8، 565.
[الأنعام:121/ 6] محمول على ما تركت تسميته عمداً بدليل قوله: {وإنه لفسق} [الأنعام:121/ 6] والأكل مما نسيت التسمية عليه، ليس بفسق.
وتختلف الذبيحة عن الصيد عند الحنابلة؛ لأن ذبح الصيد في غير محل، فاعتبرت التسمية تقوية له، والذبيحة بخلاف ذلك، ويرشد إلى وجوب التسمية مطلقاً حديث عدي بن حاتم قال: «قلت: يا رسول الله، إنى أرسل كلبي، وأسمِّي، قال: إن أرسلت كلبك، وسميت، فأخذ، فقتل، فكل، وإن أكل منه، فلا تأكل، فإنما أمسك على نفسه. قلت: إني أرسل كلبي، أجد معه كلباً
آخر، لا أدري أيهما أخذه؟ قال: فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره» (1).
وقال الشافعية (2): يباح أكل متروك التسمية عمداً أو سهواً، في الصيد والذبائح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«المسلم يذبح على اسم الله، سمى أو لم يسم» (3) وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل، فقيل: أرأيت الرجل منا يذبح، وينسى أن يسمي الله؟ فقال: اسم الله في قلب كل مسلم» (4).
وأما النهي في قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنه
(1) متفق عليه بين أحمد والشيخين (نيل الأوطار: 134/ 8).
(2)
مغني المحتاج: 272/ 4.
(3)
قال عنه الزيلعي: غريب بهذا اللفظ. وفي معناه أحاديث منها حديث ابن عباس عند الدارقطني لكن في إسناده كلام، والصحيح عند ابن حبان أنه موقوف على ابن عباس. وأخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس موقوفاً. (نصب الراية: 182/ 4).
(4)
أخرجه الدارقطني أيضاً، وفيه ضعيف. وعند أبي داود حديث مرسل عن الصلت الدوسي، بلفظ «ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله، أو لم يذكر» . ولأحمد رواية مثل حديث أبي هريرة (نصب الراية: 183/ 4، المغني: 540/ 8).
لفسق} [الأنعام:121/ 6] فمقيد بحال كون الذبح فسقاً، والفسق في الذبيحة مفسر في كتاب الله بما أهل لغير الله به؛ لأن جملة {وإنه لفسق} [الأنعام:121/ 6] لا تصلح أن تكون معطوفاً، للتباين بين الجملتين، إذ الأولى فعلية إنشائية، والثانية اسمية خبرية، فتعين أن تكون حالية.
وأما الأحاديث المطالبة بالتسمية في خبر أبي ثعلبة وعدي بن حاتم ونحوهما، فمحمولة على الندب.
5 -
ألا يشتغل الصائد بين الإرسال وأخذ المصيد بعمل آخر. وعبر المالكية عن ذلك بقولهم: أن يتبع الصائد الصيد عند الإرسال أو الرمي.
والسبب في اشتراط هذا الشرط: أن الصائد مطالب بملاحقة المصيد، ليذبحه إن أدركه حياً فيه روح، فإن قصر في ذلك، ومات ولم يذكه، لم يؤكل، لأنه قدر على الذكاة الاختيارية، فلا تجزئ الذكاة الاضطرارية لعدم الضرورة.
وللفقهاء آراء في إدراك المصيد حياً، قال الحنفية (1): إن أدرك المصيد، وكان فيه فوق حياة المذبوح، بأن يعيش مدة كاليوم أو نصفه، فوق ما يعيش المذبوح، وترك التذكية، حتى مات، لم يؤكل؛ لأنه مقدور على ذبحه، ولم يذبح، فصار كالميتة، والله تعالى يقول:{إلا ما ذكيتم} [المائدة:3/ 5] ولقوله عليه الصلاة والسلام لعدي: «إذا أرسلت كلبك، فاذكر اسم الله عليه، وإن أمسك عليك، فأدركته حياً، فاذبحه» .
أما لو أدرك به حياة مثل حياة المذبوح، فلا تلزم تذكيته، لأنه ميت حكماً،
(1) تكملة الفتح: 178/ 8 ومابعدها، اللباب: 219/ 3، تبيين الحقائق: 53/ 6، الدر المختار: 334/ 5.
ولهذا لو وقع في الماء في هذه الحالة، لا يحرم، كما لو وقع وهو ميت. ولو أدرك الصيد حياً حياة فوق ما يكون في المذبوح، ولم يتمكن من ذبحه لفقد آلة، أو ضيق الوقت، لم يؤكل في ظاهر الرواية، وفي رواية أخرى عن أئمة الحنفية الثلاثة: إنه يؤكل استحساناً، وقيل: هذا أصح.
أما إن لم يتمكن من ذبحه، لعدم قدرته عليه، أي عدم ثبوت يده عليه، فمات، أكل؛ لأن اليد لم تثبت عليه، ولم يوجد منه التمكن من الذبح.
وقال المالكية (1): إن رجع الصائد بعد الإرسال أو الرمي، ثم أدرك المصيد غير منفوذ المقاتل، ذكاه. وإن لم يدركه إلا منفوذ المقاتل، لم يؤكل، إلا أن يتحقق أن مقاتله أنفذت بالمصيد به.
وقال الشافعية والحنابلة (2): إن كانت حياة المصيد كحياة المذبوح، ليس فيه حياة مستقرة، بأن شق جوفه وخرجت الحشوة، أو أصاب العقر من الكلب مقتلاً، يباح من غير ذبح، باتفاق المذاهب؛ لأن الذكاة في مثل هذا لا تفيد شيئاً، لكن المستحب عند الشافعية أن يمر السكين على الحلق ليريحه، وإن لم يفعل حتى مات، حل؛ لأن عقر الكلب المرسل عليه، قد ذبحه، وبقيت فيه حركة المذبوح. وإن كانت فيه حياة مستقرة أدركها الصائد فينظر في الأمر:
أـ إن تعذر ذبحه، بلا تقصير من الصائد، حل أكله، كأن سل السكين على الصيد، أو ضاق الزمان فلم يتسع الوقت لذكاته، حتى مات، أو مشى له على
(1) القوانين الفقهية: ص 176.
(2)
مغني المحتاج: 269/ 4 ومابعدها، المهذب: 254/ 1، المغني: 547/ 8 ومابعدها، كشاف القناع: 214/ 6 ومابعدها.
هينته ولم يأته عدواً، أو اشتغل بتوجيهه للقبلة أو بطلب المذبح (مكان الذبح)، أو بتناول السكين، أو منع منه سبع، فمات قبل إمكانه الذبح، أو امتنع منه بقوته، ومات قبل القدرة عليه، فيحل في الجميع كما لو مات، ولم يدرك حياته.
ب ـ وإن مات لتقصيره، بأن لا يكون معه سكين، أو لم تكن محددة، أو ذبح بظهرها خطأ، أو أخذها منه غاصب، أو نشبت في الغمد (أي عسر إخراجها بأن تعلقت في الغلاف)، حرم الصيد، للتقصير، لحديث أبي ثعلبة الخشني المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما رد عليك كلبك المكلب، وذكرت اسم الله عليه، وأدركت ذكاته، فذكه، وكل، وإن لم تدرك ذكاته، فلا تأكل .. » .
6 -
ألا يكون الصائد في صيد البر محرماً بحج أو عمرة، أما صيد البحر فحلال للمحرم لقوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر وطعامه، متاعاً لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرماً} [المائدة:96/ 5]. وفي حديث صحيح: «صيد البر لكم حلال ـ وأنتم حرم ـ ما لم
تصيدوه أو يُصَد لكم» (1) وحكمة التفرقة بين نوعي الصيد كما ورد في الآية هو توفير زاد للمسافرين والنائين عن البحر، ولأن صيد البر ترفه يتطلب مشقة ومطاردة تصرف المحرم عما فيه من عبادة.
7 -
أن يرى الصائد الصيد ويعينه أو يحس به، ويرسل كلبه المعلم على صيد، وهذا شرط ذكره المالكية والشافعية والحنابلة (2)، ويمكن عده مع الشرط الثالث.
(1) رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث جابر.
(2)
الشرح الكبير: 104/ 2، القوانين الفقهية: ص 176، المغني: 545/ 8، كشاف القناع: 214/ 6، المهذب: 255/ 6، مغني المحتاج: 277/ 4.