الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنعاً لإيقاع الموجب في القلق، وتمكيناً من إثبات العقد وإلزام القابل، فإن جهل الموجب بالقبول يوقعه في حرج شديد، وهذا
رأي الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري (1).
التعاقد حالة المشي أو الركوب:
إذا تعاقد شخصان على ظهر سفينة أو متن طائرة، أو في قطار أو سيارة، انعقد العقد، سواء أكانت هذه الوسائل واقفة أم ماشية؛ لأن الشخص لا يستطيع إيقاف تلك الوسائل، فاعتبر مجلس العقد فيها مجلساً واحداً، مما يؤكد أن المقصود من اتحاد المجلس اتحاد الزمان وليس الاتحاد المكاني المادي.
لكن إذا كان العاقدان ماشيين على الأقدام، أو راكبين دابة واحدة أو دابتين، فقد تشدد الحنفية في تصور المجلس، فقالا: إذا تم القبول متصلاً بالإيجاب، انعقد العقد، حتى ولو مشيا خطوة واحدة، أو خطوتين. فإن مشيا خطوات ثلاثاً فأكثر، ثم حدث القبول، لم ينعقد العقد؛ لأن العاقدين يستطيعان الوقوف، أو إيقاف الدابة لمداولة العقد، فإن سارا فقد تبدل المجلس قبل القبول. ويجعل السير دليلاً على الإعراض عن العقد (2).
وهذا ما حدا بالدكتور السنهوري إلى القول بأن نصوص المذهب الحنفي أغرقت في تصوير مجلس العقد تصويراً مادياً لا سبيل إلى مجاراتها فيه (3).
الشرط الثاني ـ ألا يصدر من أحد العاقدين ما يدل على إعراضه عن العقد:
(1) مصادر الحق: 57/ 2.
(2)
البدائع: 232/ 2، و 137/ 5، فتح القدير: 78/ 5 - 80.
(3)
مصادر الحق للسنهوري: 7/ 2.
بأن يكون الكلام في موضوع العقد، وألا يتخلله فصل بكلام أجنبي يعد قرينة على الإعراض عن العقد.
فإن ترك الموجب مجلس العقد قبل قبول الآخر، أو ترك الطرف الآخر المجلس بعد صدور الإيجاب، أو انشغل الطرفان في موضوع آخر لا صلة له بالعقد، بطل الإيجاب. ولو قبل الآخر حينئذ لا يعتبر قبوله متمماً للعقد؛ لأن الإيجاب ذهب ولم يبق له وجود، إذا لم يتعانق مع القبول، وسبب ذهابه أنه كلام اعتباري لا بقاء له إذا لم يتصل بالقبول، ويجعل باقياً مدة المجلس من باب التيسير على الطرفين ودفع العسر عنهما ليمكن تلاقي القبول به، وانعقاد العقد.
متى يصير المجلس قد تغير؟
العرف الشائع بين الناس هو المحكم في بيان اتحاد المجلس أو تغيره، فإذا صدر القبول في حال اتحاد المجلس، نشأ العقد، وإذا صدر القبول بعد تغير المجلس لم يعتبر ولم ينشأ به العقد. وضابط ذلك أن القبول يكون معتبراً ما دام لم يتخلل بينه وبين الإيجاب ما يعد إعراضاً عن العقد من أحد الطرفين، وما دام المجلس قائماً (1).
وتحقيق هذا المبدأ عند الحنفية (2): أنه لو أوجب أحد الطرفين البيع، فقام الآخر عن المجلس قبل القبول، أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلاف المجلس، ثم قبل، لا ينعقد العقد؛ لأن القيام دليل الإعراض والرجوع عن العقد.
والاحتكام إلى العرف في بيان ما يغير المجلس متفق عليه بين المذاهب (3) حتى
(1) الأموال ونظرية العقد للدكتور محمد يوسف موسى: ص 259.
(2)
البدائع: 137/ 5، فتح القدير والهداية: 78/ 5 و 80.
(3)
مواهب الجليل للحطاب: 240/ 4 ومابعدها، المجموع للنووي: 201/ 9، مغني المحتاج: 45/ 2، المحلي على المنهاج: 191/ 2، الباجوري على ابن قاسم:360/ 1، غاية المنتهى: 4/ 2.