الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن قوله تعالى: {وقد فصَّل لكم ماحَرَّم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام:119/ 6] استثناء من التحريم، والاستثناء من التحريم حل أو إباحة كما يقرر الأصوليون.
وبهذا يظهر أن الإضراب عن الطعام في السجون ونحوها، لا يحل إذا أدى إلى الموت، على كلا الرأيين السابقين.
ثانياً ـ شروط الضرورة أو ضوابطها:
ليس كل من ادعى الضرورة يسلَّم له ادعاؤه، أو يباح له فعل الحرام، وإنما لابد من توافر شروط أو ضوابط للضرورة، وهي ما يأتي (1):
1ً - أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة في المستقبل، أي أن يحصل في الواقع خوف الهلاك على النفس أو المال بغلبة الظن بحسب التجارب، أو التحقق من خطر التلف، لو لم يأكل، ويكفي في ذلك الظن، كما في الإكراه على أكل الحرام، فلا يشترط فيه التيقن ولا الإشراف على الموت، بل لو انتهى إلى هذه الحالة لم يفد الأكل ولم يحل الأكل كما صرح الشافعية.
2ً - أن يتعين على المضطر ارتكاب المحظور الشرعي أي ألا يكون هناك وسيلة أخرى من المباحات لدفع الخطر إلا تناول الحرام؛ لأن سبب استعمال المحرمات في حال الاضطرار هو ضرورة التغذي أعني إذا لم يجد شيئاً حلالاً يتغذى به. وهذا لاخلاف فيه.
3ً - أن يتوافر عذر يبيح الإقدام على الحرام، كالحفاظ على النفس أو العضو بأن خاف التلف إما من جوع، أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن
(1) نظرية الضرورة الشرعية للمؤلف: ص 66 ومابعدها.
الرفقة فيهلك، أو يعجز عن الركوب فيهلك، وبه يظهر أن كل ما يبيح التيمم ـ كماصرح الشافعية والحنابلة ـ يبيح تناول الحرام أو ارتكاب المحظور، فيعتبر خوف حصول الشين الفاحش في عضو ظاهر كخوف طول المرض، كل منهما يبيح الأكل من المحرمات.
4ً - ألا يخالف المضطر مبادئ الإسلام، فلا يحل الزنا والقتل والكفر والغصب بأي حال؛ لأنها مفاسد في ذاتها، وإن كان يرخص حال الإكراه في الكفر باللسان مع اطمئنان القلب بالإسلام، كما يرخص بأخذ طعام الغير ولو قهراً إذا لم يكن هو أيضاً مضطراً إليه. وبه يظهر أن الإباحة تختلف عن الرخصة؛ لأن الإباحة تقلب الحرام حلالاً، وتزيل عنه صفة الحرمة، وأما الرخصة فتمنع الإثم ويظل الفعل حراماً.
ولا يباح أصلاً قتل آدمي وأكله، كما لايباح عند الجمهور غير الشافعية أكل آدمي ميت، كما سأبين، ويحرم على الراجح عند أئمة المذاهب الأربعة تناول الخمر إلا لإزالة غُصة عند عدم مايسيغها به من غيرها، ولايحل عند المالكية تناول شيء من الدم أو العَذِرة، أو ضالة الإبل.
5ً - أن يقتصر في رأي الجمهور على الحد الأدنى أو القدر اللازم لدفع الضرر، كما سأوضح؛ لأن إباحة الحرام ضرورة، والضرورة تقد ر بقدرها.
6ً - أن يصف المحرم ـ في حال ضرورة الدواء ـ طبيب عدل ثقة في دينه وعلمه، وألا يوجد من غير المحرَّم علاج آخر، يقوم مقامه.
ولا يتقيد الاضطرار بزمن مخصوص لاختلاف الأشخاص في ذلك (1).
(1) كشاف القناع: 194/ 6، المغني: 595/ 8.