الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - حوالة الدين:
أخذ القانون المدني (في المواد 315 - 321) بمبدأ حوالة الدين جرياً على سنن التقنينات الحديثةوالفقه الإسلامي الذي نظم حوالة الدين تنظيماً محكماً دقيقاً (1).
وتتم حوالة الدين قانوناًإما باتفاق بين المدين وشخص آخر يتحمل عنه الدين، دون حاجة إلى قبول الدائن، وإما باتفاق بين الدائن وشخص آخر يتحمل قبله الدين من دون حاجة إلى قبول المدين. فإذا تمت الحوالة، جاز للمدين الجديد أن يتمسك قِبَل الدائن بالدفوع التي كان للمدين الأصلي أن يتمسك بها، ويضمن المدين الأصلي للدائن أن يكون المدين الجديد موسراً وقت إقرار الدائن للحوالة.
ولم يجز التشريع الروماني حوالة الدين وحوالة الحق، لتأثره بالنظرية الشخصية في طبيعة الالتزام، ومقتضاها أن لأحد الطرفين سلطة شخصية على الآخر، يحق للدائن بموجبها إجبار المدين على إيفاء دينه بالإكراه البدني كالحبس والمضايقة.
ثم اتجه التشريع الألماني إلى الأخذ بالنظرية المادية التي تعتبر الالتزام علاقة مادية بحتة، فلا تجيز الإجبار، وإنما يبحث الدائن عن مال المدين، فإن عثر عليه، أمكن استيفاء الحق منه بواسطة القضاء.
أما التشريع الإسلامي، فإنه جعل الالتزام في ذاته علاقة مادية إما بمال المكلف كما في المدين، وإما بعمله كما في الأجير، ولكن يرافق هذا الالتزام سلطة شخصية تأييداً لتنفيذه، منعاً من قيام المكلف بإخفاء ماله، أو امتناعه عن عمله. ويجوز للقاضي الحكم بحبس المدين أو الأجير تعزيراً بناءً على طلب الدائن،
(1) الوسيط للسنهوري: ص 61.
ليحمله على الوفاء بالتزامه. ولا يجوز للدائن أن يمارس شيئاً من هذه الضغوط على المدين بسلطته الشخصية وإنما من طريق القضاء (1).
والتقنين المدني المصري والسوري وقف موقف الاعتدال في النظرية الشخصية والنظرية المادية للالتزام، فلم يغرق في الأخذ بالمذهب المادي، ولكنه من جهة أخرى سجل ما تم فعلاً من تطور نحو هذا المذهب بحكم تأثر النظريات اللاتينية بالنظريات الجرمانية (2). وهذا هو اتجاه الفقه الإسلامي.
وحوالة الدين عند فقهاء الحنفية: هي نقل المطالبة من ذمة المدين إلى ذمةالملتزم (3). وعرفها غير فقهاء الحنفية بأنها عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة (4). فالحوالة عند الحنفية يترتب عليها براءة مؤقتة من الدين، ويجوز للمحال العودة إلى مطالبة المحيل بالدين في حال إفلاس المحال عليه في رأي صاحبي أبي حنيفة، أوفي حال موت المحال عليه مفلساً، أوعند جحوده أو إنكاره الحوالة. وعند غير الحنفية يبرأ المحيل براءة نهائية بالحوالة، إلا إذا وجد تغرير كالإحالة على مفلس، فيجوز عند المالكية الرجوع على المحيل. كما يجوز الرجوع عندهم حال اشتراط يسار المحال عليه.
وتنعقد الحوالة عند الحنفية: بإيجاب وقبول، إيجاب من المحيل، وقبول من المحال والمحال عليه، أي أنه لا بد من رضا المحيل والمحال عليه. أما رضا المحيل فمطلوب؛ لأن ذوي المروءات قد يأنفون بتحمل غيرهم ما عليهم من الدين. وأما رضا المحال فلا بد منه، لأن الدين حقه، وهو في ذمة
المحيل، والدين هو الذي
(1) المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي للأستاذ الزرقاء: ص 55/ف28.
(2)
الوسيط للسنهوري: ص 28.
(3)
فتح القدير مع العناية: 443/ 5، الدر المختار: 300/ 4، مجمع الضمانات: ص 282.
(4)
الشرح الكبير للدردير: 325/ 3، مغني المحتاج: 193/ 2، المغني: 528/ 4.
ينتقل بالحوالة، والذمم متفاوتة في حسن القضاء والمطل، فلا بد من رضاه، وإلا لزم الضرر بإلزامه اتباع من لا يوفيه.
وأما رضا المحال عليه فضروري لأنه الذي يلزمه الدين، ولا لزوم إلا بالتزامه، وكونه مديناً لا يمنع من تغير صفة الالتزام؛ لأن الناس يتفاوتون في اقتضاء الدين سهولة ويسراً، أو صعوبة وعسراً.
وقال الحنابلة والظاهرية: يشترط رضا المحيل فقط، وأما المحال والمحال عليه فيلزمهما قبول الحوالة، عملاً بالأمر الوارد في الحديث النبوي المفيد للوجوب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«مطل الغني ظلم، وإذا اتبع أحدكم على مليء فليتْبَع» (1) وفي رواية: «ومن أحيل على مليء فليحتل» .
وقال المالكية في المشهور عندهم، والشافعية في الأصح عندهم: يشترط لصحة الحوالة رضا المحيل والمحال فقط؛ لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء، فلا يلزم بجهة معينة. وحق المحال في ذمة المحيل، فلا ينتقل إلا برضاه؛ لأن الذمم تتفاوت في الأداء والقضاء.
ولايشترط عند هؤلاء رضا المحال عليه، لأنه محل الحق والتصرف، ولأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره، والأمر هو مجرد تفويض بالقبض فلا يعتبر رضا من عليه، كما لو وكل إنسان غيره بقبض دينه (2).
والخلاصة: أن رضا المحيل مشروط في كل المذاهب، وأما رضا المحال والمحال عليه، ففيه اختلاف اجتهادي بين المذاهب.
(1) المطل بالدين: المماطلة به، والمليء: الغني، وأصله الواسع الطويل، والحديث رواه الجماعة عن أبي هريرة. والرواية الثانية «فليحتل» عند أحمد (نيل الأوطار:236/ 5).
(2)
سيأتي تفصيل القول في بحث الحوالة.