الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي خرج مخرج اليمين بأن يقصد الناذر حث نفسه على فعل شيء أو منعها غير قاصد للنذر ولا القربة، مثل: إن كلمت فلاناً فلله علي صوم أو نحوه، فالأظهر في هذا النوع أن الناذر بالخيار: إن شاء وفى بما التزم، وإن شاء كفر كفارة يمين، وهذا هو المقصود بحديث:(كفارة النذر كفارة يمين)(1) فبما أنه لا كفارة في نذر التبرر قطعاً، فتعين أن يكون المراد بالحديث
نذر اللجاج
.
وبه يتبين أن نذر اللجاج يكون حال الخصومة بدافع من الغضب، ونذر التبرر لا يكون بدافع الخصومة أو الغضب. والنذر المطلق: هو أن يلتزم الناذر قربة لله تعالى، دون تعليق على تحقق غرض معين أو بدافع من الخصومة أو الغضب، مثل: لله علي صيام يوم الخميس.
وقال الحنابلة (2): حكم نذر اللجاج والغضب حكم اليمين ويخير كما قال الشافعية بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين، قال عليه السلام:«لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين» (3). وقال الإمام مالك: النذر لازم على أية جهة وقع (4).
ثانياً ـ وإن كان النذر لا تسمية فيه:
أي إن المنذور به غير مسمى، فحكمه وجوب مانواه الناذر إن نوى شيئاً، سواء أكان النذر مطلقاً عن الشرط أم مقيداً
(1) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وزاد فيه:«إذا لم يسمّه» وصححه عن عقبة بن عامر بهذا اللفظ قال ابن حجر: وهو صحيح، وروي بألفاظ أخرى عن عائشة وابن عباس وعمران بن حصين وأبي هريرة (راجع سبل السلام: 111/ 4، نيل الأوطار: 243/ 8 وما بعدها، نصب الراية: 295/ 3، الإلمام: ص 309، تخريج أحاديث التحفة: 465/ 2).
(2)
المغني: 696/ 8، 2/ 9.
(3)
رواه النسائي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه (راجع المحلى: 8/ 8، جامع الأصول: 189/ 12 ومابعدها) ورواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس بلفظ «ولا يمين في غضب» (مجمع الزوائد: 186/ 4).
(4)
بداية المجتهد: 409/ 1، الشرح الكبير للدردير: 161/ 2.
بشرط، بأن قال:(لله علي نذر) أو قال: (إن فعلت كذا فلله علي نذر) فإن نوى صوماً أو صلاة أو حجاً أو عمرة لزمه الوفاء به للحال حالة كون النذر مطلقاً، وعند وجود الشرط إذا كان النذر معلقاً بشرط، ولا تجزئ كفارة اليمين.
وإن لم تكن هناك نية عند الناذر وهو النذر المبهم، فعليه كفارة اليمين. وهذه الكفارة تجب حالاً إذا كان النذر مطلقاً عن الشرط، فإن كان معلقاً على شرط فتجب الكفارة عند تحقق الشرط. والدليل قوله عليه الصلاة والسلام:«النذر يمين، وكفارته كفارة يمين» (1).
ووجوب الكفارة مقرر عند الحنفية سواء أكان الشرط الذي علق به النذر مباحاً أم معصية، ويجب عليه أن يحنث نفسه ويكفر عن يمينه (2)، لقوله عليه الصلاة والسلام:«من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه» (3).
وإذا كان النذر مبهماً ونوى الناذر فيه صياماً ولم ينو عدداً معيناً: فعليه صيام ثلاثة أيام.
وإن نوى في قوله (لله علي نذر) طعاماً ولم ينو عدداً: فعليه طعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من حنطة، أي حوالي نصف رطل شامي.
(1) نص الحديث: هو ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر نذراً لم يسمّه، فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً في معصية الله فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به» وهناك روايات أخرى مثل حديث عقبة بن عامر: «كفارة النذر كفارة يمين» (راجع تخريج أحاديث تحفة الفقهاء: 464/ 2 ومابعدها) وقد سبقت الإشارة إليه.
(2)
راجع مذهب الحنفية بهذا التفصيل في المبسوط: 136/ 8، البدائع: 90/ 5 - 92، فتح القدير: 27/ 4، الفتاوى الهندية: 60/ 2.
(3)
رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه عن عدي بن حاتم. ورواه آخرون عن غيره، وقد سبق تخريجه (انظر نيل الأوطار: 237/ 8).
ولو قال: (لله علي صدقة) فعليه نصف صاع.
ولو قال: (لله علي صوم) فعليه صوم يوم بالاتفاق.
ولو قال: (لله علي صلاة) فعليه ركعتان بالاتفاق.
والعلة في حكم هذه الصور: هو أن النذر لم يذكر فيه التقدير، فاعتبر أدنى ما ورد به الأمر في الشرع؛ لأن النذر يعتبر بحسب ما جاء به الأمر.
وقال المالكية (1): من نذر صوم أيام لزمه الأيام التي نواها، وإن لم يعين عدداً كفاه يوم واحد. ولو نذر صوم الدهر لزمه، ولا شيء عليه في أيام العيد والحيض ورمضان، وله الفطر في المرض والسفر، ولا قضاء عليه، إذ لا يمكنه.
وإن نذر صلاةً، لزمه ما نوى، وإلا كفته ركعتان. وإن نذر صدقة جميع ماله أو حلف بذلك، فحنث، كفاه الثلث. وإن عين مقداراً معيناً كالنصف أو الثلثين، لزمه ما نوى. وإن نذر المشي إلى مكة، فإن ذكر الحج أو العمرة، لزمه ذلك، وإن لم يذكر الحج أو العمرة ولا نواهما، وجب عليه الحج أو العمرة، كما بينت. ومن نذر أن يضحي ببدنة، لم تقم مقامها بقرة مع القدرة عليها، أما مع العجز فيجزئه بقرة في رأي مالك.
وكذلك قال الشافعية (2): من نذر المشي إلى بيت الله أو إتيانه، فالمذهب وجوب إتيانه بحج أو عمرة. وإن نذر أن يحج أو يعتمر ماشياً، فالأظهر وجوب المشي، فإن قال: أحج ماشياً فمن حيث يحرم، وإن قال: أمشي إلى بيت الله تعالى، فمن دويرة أهله في الأصح. هذا إذا كان قادراً على المشي، لأنه التزم جعل
(1) القوانين الفقهية: ص 168 - 170، الشرح الكبير: 166/ 2.
(2)
مغني المحتاج: 362/ 4 ومابعدها.