الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً ـ النظر:
للنظر أربعة أقسام، لكل قسم حكم، وهي: نظر الرجل للمرأة، ونظر المرأة إلى الرجل، ونظر الرجل إلى الرجل، ونظر المرأة إلى المرأة (1).
الأول ـ نظر الرجل للمرأة:
أـ إذا كانت المرأة زوجة: جاز للزوج اللمس والنظر إلى جميع جسدها، حتى فرجها باتفاق المذاهب الأربعة، والفرج محل التمتع. ولكن يكره لكل منهما نظر الفرج من الآخر، ومن نفسه بلا حاجة، وإلى باطنه أشد كراهة، قالت عائشة رضي الله عنها:«ما رأيت منه، ولا رأى مني» أي الفرج (2).
ب ـ وإذا كانت المرأة ذات مَحْرم كالأخت والخالة (3)، جاز عند الحنابلة النظر إلى ما يظهر غالباً كالرقبة والرأس والكفين والقدمين، وليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما.
(1) راجع تكملة الفتح: 97/ 8 - 107، البدائع: 119/ 5 - 124، اللباب: 162/ 4 - 165، تبيين الحقائق: 17/ 6 - 21، الدر المختار: 257/ 5 - 264، الشرح الكبير: 215/ 2، القوانين الفقهية: ص 193، 446، تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر: 190/ 7 - 205، المهذب: 34/ 2 - 35، المغني: 552/ 6 ومابعدها، 558 - 563، 580، مغني المحتاج: 128/ 3 - 134، فتح المعين: ص 98.
(2)
أما خبر: «النظر إلى الفرج يورث الطمس» أي العمى، فرواه ابن حبان وغيره في الضعفاء، بل ذكره ابن الجوزي في الموضوعات فهو منكر لا أصل له. وخالفه ابن الصلاح وحسن إسناده (نصب الراية: 248/ 4) وحديث عائشة رواه ابن ماجه.
(3)
ذوات المحارم: كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو تحريم المصاهرة بسبب مباح كأم الزوجة عند الشافعية والحنابلة. والأصح عند الحنفية أن المصاهرة سبب للتحريم سواء أكانت بسبب مباح كالنكاح أم بسبب حرام كالسفاح.
ومذهب الحنفية قريب من الحنابلة مع تعديل: فعندهم يجوز النظر إلى الوجه والرأس والصدر والساقين (الساق: من الركبة إلى القدم) والعضدين (أي الساعدين، والساعد: من المرفق إلى الكتف)، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها؛ لأن الله تعالى حرم المرأة إذا شبّهها بظهر الأم، فيحرم النظر إليه، والبطن أولى من الظهر، لأنه أدعى للشهوة.
وتشدد المالكية فقالوا: الأصح جواز رؤية وجهها ويديها، دون سائر جسدها.
وتوسط الشافعية فحرموا نظر البالغ من محرمه الأنثى ما بين سرة وركبة، وأباحوا بغير شهوة نظر ما عدا ما بين السرة والركبة، فيجوز النظر إلى السرة والركبة، لأنهما ليسا بعورة بالنسبة لنظر المحرَم.
جـ ـ وإن كانت المرأة أجنبية: حرم النظر إليها عند الحنفية إلا وجهها وكفَّيها، لقوله تعالى:{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور:31/ 24]. قال علي وابن عباس: ما ظهر منها الكحل والخاتم أي موضعهما وهو الوجه والكف، والمراد من الزينة في الآية موضعها، ولأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذاً وعطاء.
وإن وقع البصر على محرَّم من غير قصد، وجب أن يصرف عنه، وليس على المرء إثم في المرة الأولى غير المقصودة، فقد روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال:«سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري» . وروى أبو داود عن بُريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة» .
وإن كان لا يأمن الشهوة: لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة ضرورية. وبه يظهر أن حل النظر مقيد بعدم الشهوة، وإلا فحرام. والواجب المنع في زماننا من نظر
الشابة. ويدل لحرمة النظر: حديث صحيح: «العينان تزنيان، وزناهما النظر، واليدان تزنيان، وزناهما البطش» (1). وحد الشهوة: تحرك الآلة.
ويتفق المالكية مع الحنفية في ذلك، فإنهم أجازوا رؤية الوجه والكفين من العجوز، وحرموا ذلك من الشابة إلا لعذر من شهادة أو معالجة أو خطبة.
والخصي في المذهبين في حرمة النظر إلى الأجنبي كالفحل.
وكذلك قال الشافعية: يحرم نظر فحل بالغ عاقل مختار، ولو شيخاً كبيراً، وعاجزاً عن الوطء ومخنثاً (وهو المتشبه بالنساء) إلى المرأة الأجنبية، وكذا يحرم نظر وجهها وكفيها سواء عند خوف الفتنة أو عند الأمن من الفتنة فيما يظهر له من نفسه من غير شهوة، على الصحيح؛ لأن النظر مظنة الفتنة، ومحرّك للشهوة، وقد قال تعالى:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} [النور:30/ 24] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان» (2).
والمنع من النظر، لا لأن الستر واجب عليهن في ذاته، بل لأن فيه مصلحة عامة. فقد حكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة، وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية.
وحرم الحنابلة أيضاً نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب، وعلى هذا فإن بدن الحرة كله عورة عند الشافعية والحنابلة. وأما عند الحنفية والمالكية فليس الوجه والكفان بعورة. وروي عن أبي حنيفة أن القدمين ليستا من العورة. وأباح بعض الحنابلة النظر إلى الوجه والكفين مع الكراهة، إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة.
(1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة (نصب الراية: 248/ 4).
(2)
أخرجه الترمذي عن ابن مسعود، وهو حديث صحيح.