الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحرم الاحتكار أيضاً عند المالكية وأبي يوسف في غير الطعام في وقت الضرورة، لا في وقت السعة، فلا يجوز عندهم الاحتكار في الطعام وغيره، من الكتان والقطن وجميع ما يحتاج إليه الإنسان، أو كل ما أضر بالناس حبسه، قوتاً كان أو لا ولو ثياباً أو دراهم. وقال السبكي من الشافعية: إذا كان الاحتكار في وقت قحط، كان في ادخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار، فينبغي أن يقضى بتحريمه، وإذا لم يكن إضرار فلا يخلو احتكار الأقوات من كراهة (1).
ويخرج الطعام من بلد إلى غيره إذا أضر بأهل البلد.
والخلاصة: إن الجمهور خصوا الاحتكار بالقوتين (قوت الناس وقوت البهائم) نظراً للحكمة المناسبة للتحريم وهي دفع الضرر عن الناس، والأغلب في ذلك إنما يكون في القوتين، ومنعه المالكية مطلقاً.
المدة:
إذا قصرت مدة الاحتباس لا تكون احتكاراً لعدم الضرر، وإذا طالت تكون احتكاراً لتحقق الضرر.
وقيل: يقدر طول المدة بأربعين ليلة للحديث السابق: «من احتكرطعاماً أربعين ليلة، فقد برئ من الله، وبرئ الله منه» . وقيل: بالشهر؛ لأن ما دونه قليل عاجل، والشهر وما فوقه كثير عاجل. وقيل: المدة للمعاقبة في الدنيا، وأما الإثم فيحل وإن قلت المدة.
حكم الاحتكار:
للاحتكار أحكام أهمها ما يأتي:
1ً - الاحتكار ممنوع: وعبر أغلب الحنفية عن المنع بكراهته التحريمية، فقالوا: يكره الاحتكار في أقوات الآدميين، والبهائم، إذا كان ذلك في بلد يضر
(1) نيل الأوطار: 222/ 5.
الاحتكار بأهله، كما يكره تلقي الركبان، أو الجلب، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع (1). فأما إذا كان لا يضر، فلا بأس به (2).
وعبر الكاساني في البدائع عن منع الاحتكار بالحرمة (3)، وهو متفق عليه مع تعبير الأئمة الآخرين: الاحتكار حرام.
وأدلة التحريم أحاديث كثيرة، منها ما ذكر سابقاً في البحث، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحتكر إلا خاطئ» «من احتكر حُكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ» «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم، كان حقاً على الله أن يقعده بُعْظم من النار ـ مكان عظيم من النار ـ يوم القيامة» «من احتكر على المسلمين طعامهم، ضربه الله بالجذام والإفلاس» (4).
2ً - بيع المال المحتكر: قال الحنفية (5): يؤمر المحتكر من القاضي ببيع ما فضل عن قوته وقوت
أهله، فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار، ورفع أمره إلى الحاكم مرة أخرى، وهو مصر عليه، وعظه الحاكم وهدده. فإن لم يفعل ورفع إليه أمره للمرة الثالثة، حبسه وعزره، زجراً له عن سوء صنعه، ويجبره القاضي على البيع، ويبيعه القاضي عليه جبراً عنه إذا امتنع عن بيع طعامه بالاتفاق بين الحنفية على الصحيح، ويكون البيع بسعر المثل.
(1) متفق عليه بين أحمد والشيخين عن ابن مسعود (نيل الأوطار: 166/ 5) وأخرج مسلم عن أبي هريرة: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب. وفي لفظ: لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشتراه، فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار» وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس: «لا تتلقوا الركبان، ولا يبيع حاضر لباد» (نصب الراية: 261/ 4).
(2)
تكملة الفتح، الدر المختار، اللباب، تبيين الحقائق: المكان السابق.
(3)
البدائع، المكان السابق.
(4)
روى الأول أحمد ومسلم وأبو داود عن ابن المسيب، وروى الثاني والثالث أحمد عن معقل بن يسار، وعن أبي هريرة، وروى الرابع ابن ماجه عن عمر (نيل الأوطار: 220/ 5).
(5)
مراجعهم السابقة.