الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتكليف: التزام على إنسان إما مالي كوفاء الدين، وإما لتحقيق غاية معينة كقيام الأجير بعمله.
وأشار التعريف لمنشأ الحق في نظر الشريعة: وهو إرادة الشرع، فالحقوق في الإسلام منح إلهية تستند إلى المصادر التي تستنبط منها الأحكام الشرعية، فلا يوجد حق شرعي من غير دليل يدل عليه، فمنشأ الحق هو الله تعالى؛ إذ لا حاكم غيره، ولا تشريع سوى ما شرعه. وليس الحق في الإسلام طبيعياً مصدره الطبيعة أو العقل البشري، إلا أنه منعاً مما قد يتخوف منه القانونيون من جعل مصدر الحقوق إلهياً وبالتالي إطلاق الحرية في ممارسة الحق، منعاً من هذا الخطر، قرر الإسلام سلفاً تقييد الأفراد في استعمال حقوقهم بمراعاة مصلحة الغير وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة، فليس الحق مطلقاً وإنما هو مقيد بما يفيد المجتمع ويمنع الضرر عن الآخرين، والحق في الشريعة يستلزم واجبين:
واجب عام على الناس باحترام حق الشخص وعدم التعرض له.
وواجب خاص على صاحب الحق بأن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين.
المطلب الثاني ـ أركان الحق:
للحق ركنان: صاحب الحق وهو المستحق، ومحل الحق: وهو ما يتعلق به الحق ويرد عليه. وهو إما الشيء المعين الذي يتعلق به الحق كما في الحق العيني، أو الدين.
ويضاف للحق الشخصي كالعلاقة بين الدائن والمدين ركن ثالث: وهو المدين المكلف بالحق. ونوع التكليف إما أن يكون قياماً بعمل كأداء الدين أو الثمن، أو امتناعاً عن عمل، كالامتناع عن إضرار الجار أو غيره، والامتناع عن استعمال الوديعة أو الأمانة. والمكلف قد يكون معيناً فرداً أو جماعةً كالمدين بالنسبة للدين، أو غير معين كالواجبات العامة المكلف بها جميع الناس باحترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليها.
صاحب الحق: هو الله تعالى في الحقوق الدينية، والشخص الطبيعي (الإنسان) أو الاعتباري (كالشركات والمؤسسات) في الحقوق الأخرى، الذي يتمتع بالسلطات التي يمارسها على محل الحق.
وتبدأ الشخصية الطبيعية لكل إنسان ببدء تكون الجنين، بشرط ولادته حياً ولو حياة تقديرية. ويعتبر حياً عند الحنفية بظهور أكثر المولود حياً، وتعتبر الحياة تقديرية عندهم في حالة إسقاط الجنين بجناية، كما لو ضرب شخص امرأة حبلى فأسقط جنيناً ميتاً، فإنه يرث ويورث.
وقال غير الحنفية: يشترط تمام الولادة لاعتبار الشخص حياً، وانفصاله عن أمه انفصالاً تاما. وبهذا الرأي أخذ قانون الأحوال الشخصية السوري. واكتفى غير الحنفية في حال إسقاط الجنين ميتاً بأن الجنين تورث عنه الغرة فقط (وهي دية الجنين أو التعويض المالي الواجب دفعه بسبب الاعتداء على الجنين وقدرت شرعاً بـ 05 ديناراً أو بـ 500 درهم).
وتنتهي الشخصية الطبيعية بالوفاة الحقيقية (الموت) أو التقديرية كالحكم بوفاة المفقود أو الغائب الذي لا يعلم مكانه، ولا يدرى أهو حي أو ميت، وذلك بوفاة أقرانه في غالب الظن، أو ببلوغه تسعين سنة.
ولكن مع زوال الشخصية بالموت تظل ذمة الإنسان وأهلية وجوبه باقية افتراضاً بقدر ما تقتضيه تصفية الحقوق المتعلقة بتركته، وذلك للضرورة وبقدر الضرورة، كما سيتضح في بحث الأموال والذمة المالية، فيتملك الميت ما باشر سبب ملكيته في حياته كنصب شبكة للصيد وقع فيها المصيد، ويضمن ما باشر سبب ضمانه، كالالتزام بدفع قيمة ما يقع من حيوان في حفرة حفرها في الطريق العام.
ويقر الفقه الإسلامي ما يسمى قانوناً: الشخصية الاعتبارية، أو المعنوية أو الشخصية المجردة عن طريق الاعتراف لبعض الجهات العامة كالمؤسسات والجمعيات والشركات والمساجد بوجود شخصية تشبه شخصية الأفراد الطبيعيين في أهلية التملك وثبوت الحقوق، والالتزام بالواجبات، وافتراض وجود ذمة مستقلة للجهة العامة بقطع النظر عن ذمم الأفراد التابعين لها، أو المكونين لها.
والأدلة كثيرة على هذا الإقرار، سواء من النصوص أو من الاجتهادات الفقهية. فمن النصوص: الحديث النبوي: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» (1) أي أن الأمان الصادر للعدو من أحدهم يسري على جماعة المسلمين. ومنها نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تقضي بجواز رفع ما يسمى بدعوى الحسبة من أي فرد لقمع غش وإزالة منكر أو أذى عن الطريق، وتفريق بين زوجين بينهما علاقة محرمة، وإن لم يكن للمدعي مصلحة شخصية.
ومن الاجتهادات: فصل بيت المال عن مال الحاكم الخاص، وقولهم: بيت المال وارث من لا وارث له، واعتبار الحاكم نائباً عن الأمة في التصرف بالأموال العامة على وفق المصلحة، كما يتصرف الوصي بمال اليتيم. وهو نائب عن الأمة
(1) رواه أحمد عن علي رضي الله عنه (نيل الأوطار: 27/ 7).