الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامناً ـ حالات خاصة للضرورة أو الحاجة:
هناك حالات خاصة بالمار ببستان الغير والأكل من الزرع أو الفاكهة، والمار بماشية الغير، هل يجوز التناول منه أو لا؟
1ً ـ
الأكل من ثمار البساتين:
من مر في طريقه ببستان فيه أشجار مثمرة، فله أن يأكل من فاكهته الرطبة ولو كان هناك حائط عند الضرورة بشرط الضمان أي دفع القيمة.
فإن لم يكن هناك ضرورة للأكل، فلا يجوز للمار عند جمهور الفقهاء (1) أن يأخذ منه شيئاً بغير إذن صاحبه، كما لا يجوز له أن يحمل معه شيئاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» (2) وقوله عليه السلام: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا» (3) وهذا الرأي أنزه وأورع وأحوط ديناً.
وقال الحنابلة (4): يجوز في حال الجوع والحاجة لمن مر بثمرة أن يأكل منها، ولا يحمل. قال أحمد: إذا لم يكن للبستان حائط، يأكل الإنسان منها إذا كان جائعاً، وإذا لم يكن جائعاً، فلا يأكل. وقد فعله غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان عليه حائط لم يأكل، لأنه قد صار شبه الحريم، ولقول ابن عباس: «إن
(1) رد المحتار: 238/ 5، المهذب: 251/ 2، الميزان للشعراني: 59/ 2.
(2)
رواه الحاكم وابن حبان في صحيحهما عن أبي حميد الساعدي بلفظ: «لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيبة نفسه منه» .
(3)
رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم عن أبي هريرة: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» .
(4)
المغني: 597/ 8.
كان عليها حائط فهو حريم، فلا تأكل، وإن لم يكن عليها حائط، فلا بأس»، ولأن إحراز الثمار بالحائط يدل على شح صاحبه به، وعدم المسامحة فيه.
والدليل على جواز الأكل للحاجة في حال عدم وجود حائط للبستان قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خُبْنة (1)، فلا شيء عليه، ومن أخرج منه شيئاً، فعليه غرامة مثليه، والعقوبة» (2) وقوله أيضاً: «إذا أتيت على حائط ـ أي بستان ـ فناد صاحب البستان ثلاثاً، فإن أجابك، وإلا فكل، من غير أن تفسد» (3). وروي عن أبي زينب التميمي، قال:«سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بردة، فكانوا يمرون بالثمار، فيأكلون في أفواههم» وهو قول عمر وابن عباس وأبي بردة، قال عمر:«يأكل ولا يتخذ خبنة» (4).
وهناك رواية أخرى عن الإمام أحمد أنه أجاز الأكل من ثمار البساتين غير المحوطة مطلقاً، سواء أكان المار جائعاً، أم لا. جاء في متن الإقناع وكشاف القناع (5): من مر بثمر على شجر بستان، أو مر بثمر ساقط تحت الشجر، لا حائط عليه، ولا ناظر (حافظ) ولو كان المار به غير مسافر ولا مضطر، فله أن يأكل منه مجاناً، ولو لغير حاجة إلى أكله، وكذا لو أكله من غصونه من غير رميه بشيء ولا ضربه، ولا صعود شجرة، لحديث الخدري السابق:«إذا أتيت حائط بستان .. » . والحقيقة أن هذا كان سائداً بحسب العرف القائم بين الناس، فإنهم كانوا
(1) الخبنة: ما تحمله في حضنك.
(2)
رواه الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم.
(3)
رواه أحمد وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري، ورجاله ثقات. وروى سعيد عن الحسن عن سمرة مثله.
(4)
المغني: 598/ 8.
(5)
كشاف القناع: 198/ 6 ومابعدها.