الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقوله تعالى: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} [البقرة:173/ 2] فرفعت الضرورة التحريم، وخصصت الضرورة الحرام؛ لأن إهمال تعاطي الدواء قد يسبب الوفاة.
شرب الخمر حالة العطش:
أجاز جمهور الفقهاء (1) شرب الخمر عند ضرورة العطش أو الغصص أو الإكراه قدر ما تندفع به الضرورة؛ لأن الحفاظ على الحياة يقتضي إباحة كل ما يطفئ الظمأ.
وقيد الحنابلة (2) شرب الخمر لضرورة العطش بما إذا كانت ممزوجة بما يروي من العطش، فتباح حينئذ فقط. فإن شربها صرفاً أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش، لم يبح له ذلك، وعليه عقوبة الحد المقررة.
خامساً ـ كيفية ترتيب الأفضلية بين مطعومات الضرورة:
إذا وجد المضطر ميتة وطعاماً لغيره وصيداً لمحرم أو مأكولاً غير مذبوح، فهل يقدم الميتة أو غيرها؟ للفقهاء رأيان:
1 -
قال الجمهور (الحنفية، والشافعية في المعتمد عندهم، والحنابلة)(3): إنه يأكل الميتة؛ لأن أكل الميتة ثبت بالنص، وطعام الغير أو إباحة الصيد ثبت بالاجتهاد، والأخذ بالمنصوص عليه أولى، ولأن الميتة لا تبعة فيها لأحد من الناس
(1) أحكام القرآن لابن العربي: 147/ 1، بداية المجتهد: 462/ 1، الإفصاح لابن هبيرة: ص 374، تفسير القرطبي: 228/ 2.
(2)
المغني: 308/ 8، 605.
(3)
الأشباه والنظائر لابن نجيم: 124/ 1، أحكام القرآن للجصاص: 148/ 1، مغني المحتاج: 309/ 4، المهذب: 250/ 1، المغني: 600/ 8، كشاف القناع: 194/ 6 ومابعدها.
في الدنيا ولا في الآخرة، فكان أكلها أخف من أكل طعام الغير، إذ حقوق الناس مبنية على التشديد، وحق الله تعالى أوسع. ولو حصل ضرر بأكل الميتة يرجى الشفاء منه بالمداواة. ويجب عند الحنابلة تقديم السؤال على آكل الميتة.
وإن وجد المحرم صيداً حياً وميتة، أكل الميتة؛ لأن ذبح الصيد جناية لا تجوز له حال الإحرام. فإن لم يجد المضطر ميتة، ذبح الصيد وأكله.
وإن لم يجد المضطر شيئاً يأكله، لم يبح له عند الحنابلة (1) أكل بعض أعضائه؛ لأن أكله من نفسه ربما قتله، فيكون قاتلاً لنفسه، ولا يتيقن حصول البقاء بأكل جزء من جسده.
وقال النووي في المنهاج (2): الأصح جواز قطع بعضه، لا كله، لأنه إتلاف بعضه لاستبقاء كله. وشرط الجواز أمران: أحدهما ـ فقد الميتة ونحوها. والثاني ـ أن يكون الخوف في قطعه أقل من الخوف في ترك الأكل. فإن كان مثله أو أكثر، حرم جزماً. كما يحرم جزماً على شخص قطع بعض نفسه لغيره من المضطرين؛ لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل. ويحرم على مضطر أيضاً أن يقطع لنفسه قطعة من حيوان معصوم.
2 -
وقال المالكية (3): تقدم الميتة وجوباً على أكل لحم الخنزير، لأنه حرام لذاته، وحرمة الميتة عارضة، كما تقدم الميتة للمضطر المحرم على الصيد الحي الذي صاده المحرم أو أعان عليه، ما لم تكن الميتة متغيرة يخاف على نفسه من أكلها، وإلا قدم الصيد المذكور. فإن كان المضطر حلالاً قدم صيد المحرم على الميتة.
(1) المغني: 601/ 8.
(2)
مغني المحتاج: 310/ 4.
(3)
الشرح الكبير: 116/ 2، القوانين الفقهية: ص 173، تفسير القرطبي: 229/ 2.