الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالوقف والإبراء والطلاق واليمين، أم احتاج إلى إرادتين في إنشائه كالبيع والإيجار والتوكيل والرهن، أي أن هذا المعنى يتناول الالتزام مطلقاً، سواء من شخص واحد أو من شخصين، ويشمل حينئذ ما يسمى في المعنى الضيق أو الخاص عقداً، كما يشمل ما يسمى تصرفاً أو التزاماً. فالعقد بالمعنى العام ينتظم جميع الالتزامات الشرعية، وهو بهذا المعنى يرادف كلمة الالتزام.
وأما
المعنى الخاص
الذي يراد هنا حين الكلام عن نظرية العقد فهو: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله (1). أو بعبارة أخرى: تعلق كلام أحد العاقدين بالآخر شرعاً على وجه يظهر أثره في المحل (2). وهذا التعريف هو الغالب الشائع في عبارات الفقهاء.
فإذا قال شخص لآخر: بعتك الكتاب، فهو الإيجاب، وقال الآخر: اشتريت، فهو القبول، ومتى ارتبط القبول بالإيجاب، وكانا صادرين من ذوي أهلية معتبرة شرعاً، ثبت أثر البيع في محله (وهو الكتاب هنا): وهو انتقال ملكية المبيع للمشتري، واستحقاق البائع الثمن في ذمة المشتري.
والإيجاب أو القبول: هو الفعل الدال على الرضا بالتعاقد. والتقييد بكونه (على وجه مشروع) لإخراج الارتباط على وجه غير مشروع، كالاتفاق على قتل فلان، أو إتلاف محصوله الزراعي، أو سرقة ماله، أو الزواج بالأقارب المحارم، فكل ذلك غير مشروع لا أثر له في محل العقد. والتقييد بكونه (يثبت أثره في محله) لإخراج الارتباط بين كلامين لا أثر له، كالاتفاق على بيع كل شريك حصته من دار أو أرض لصاحبه بالحصة الأخرى المساوية لها، فهذا لا فائدة منه ولا أثر له.
(1) المادة 103، 104 من مجلة الأحكام العدلية، رد المحتار لابن عابدين: 355/ 2، ط الأميرية.
(2)
العناية بهامش فتح القدير: 74/ 5.
والعقد قانوناً يلتقي مع هذا التعريف الثاني عند الفقهاء: وهو «توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني من إنشاء التزام أو نقله، أو تعديله أو إنهائه» (1) فإنشاء الالتزام كالبيع والإجارة، ونقله كالحوالة، وتعديله كتأجيل الدين، وإنهاؤه كالإبراء من الدين، وفسخ الإجارة قبل أوانها، فالتعريفان متقاربان.
وهذا التعريف وإن كان واضحاً سهلاً، إلا أن تعريف الفقهاء في نظر الشرعيين أدق؛ لأن العقد ليس هو اتفاق الإرادتين ذاته، وإنما هو الارتباط الذي يقره الشرع، فقد يحدث الاتفاق بين الإرادتين، ويكون العقد باطلاً لعدم توافر الشروط المطلوبة شرعاً، فالتعريف القانوني يشمل العقد الباطل.
ثم إن مجرد توافق الإرادتين بدون واسطة للتعبير عنهما من كلام أو إشارة أو فعل لا يدل على وجود العقد، وتظل الإرادة حينئذ أمراً خفياً غير معروف. وبذلك يشمل التعريف القانوني الوعد بالعقد مع أنه ليس بعقد (2).
والعقد في القانون المدني أحد أنواع الاتفاق، فليس كل اتفاق عقداً، وإنما يتخصص العقد بما يمثل التعارض بين مصلحتين، وبما ينصب على محل وقتي يستنفد وينتهي بالتنفيذ مرة واحدة، فالاتفاق على إنشاء منظمة لا يعتبر عقداً، لأنه لا يمثل تعارضاً في المصالح، ولأن محل العقد هو وضع دائم مستمر، وليس وضعاً وقتياً يستنفد مرة واحدة.
أما العقد في الفقه الإسلامي فلا يعرف هذا التخصيص، فالزواج عقد، والإسلام عقد، والذمة عقد، مع أنها نظم دائمة، وقد لا تقوم على تحكيم المصلحة
(1) الوسيط للدكتور السنهوري: ص 138، النظرية العامة للالتزام للدكتور عبد الحي حجازي: ص 35 ومابعدها.
(2)
المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ف 134، المدخل للأستاذ مصطفى شلبي: ص 315. الشخصية.