الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د ـ حقوق الدائنين:
تأتي بعد حقوق المريض الخاصة. فإذا كان المريض مديناً منع من التصرف الضار بمصلحة الدائنين. وعليه إذا كان المريض مديناً بدين مستغرق (محيط بكل ماله) منع من التبرعات أو ما في حكمها، كالهبة والوقف والوصية بشيء من أمواله، والبيع أو الشراء بالمحاباة. ويكون تصرفه موقوفاً على إجازة الدائنين بعد وفاة المريض.
وإن كان المريض مديناً بدين غير مستغرق، اعتبر تصرفه مع غير الوارث نافذاً إذا لم يشتمل على غبن فاحش. أما إذا حدث التصرف مع وارث، فله حكم الوصية: ينفذ من الثلث بعد وفاء الديون. ويتوقف على إجازة الورثة فيما يزيد عن الثلث.
هـ ـ حقوق الموصى له:
للمريض أن يوصي بقدر ثلث التركة، فإذا مات مديناً بدين مستغرق للتركة بطلت الوصية، إلا إذا أجازها الدائنون. وإذا لم يكن مديناً أو مديناً بدين غير مستغرق نفذت الوصية لأجنبي في حدود ثلث التركة. وإن كانت الوصية لوارث صارت موقوفة على إجازة الورثة، مهما كان الموصى به، لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا وصية لوارث» .
وـ حقوق الورثة:
تتعلق حقوق الورثة بثلث تركة المريض بعد وفاء الديون وتنفيذ الوصايا. فإن لم يكن هناك ديون ولا وصايا استحقوا التركة كلها. وتأتي حقوقهم بعد حقوق الدائنين والموصى لهم. وبناء عليه: كل تصرف من المريض لايضر بحقوق الورثة يكون صحيحاً نافذاً لا اعتراض لأحد عليه. وإن كان التصرف ضاراً بحقوقهم، كان لهم مع نفاذه حال الحياة حق إبطاله بعد الموت إن كان مما يقبل الفسخ كالتبرعات.
لكن ما نوع حق الورثة بالتركة: هل هو حق شخصي أو حق عيني (1)؟
قال أبو حنيفة: يتعلق حق الورثة بمالية التركة إن تصرف المريض لأجنبي غير وارث، ويتعلق حقهم بأعيان التركة وذاتها نفسها إن تصرف المريض لوارث، أي أن حقهم في الحالة الثانية حق عيني، وفي الأولى حق شخصي. ويترتب عليه: يصح تصرف المريض لغير الوارث ببعض أموال التركة بمثل القيمة، دون اعتراض من أحد الورثة. ولا يصح تصرف المريض لوارث ببعض أموال التركة ولو بقيمته بلا أي غبن. ويحق لباقي الورثة نقض هذا التصرف لما فيه من ضرر بمصلحتهم؛ لأن حقهم تعلق بأعيان التركة، وإيثار بعض الورثة على بعض لا يجوز. أما في حال تصرف المريض مع غير الورثة فإن حقهم تعلق بقيمة التركة أو ماليتها.
وقال الصاحبان (أبو يوسف ومحمد): يتعلق حق الورثة كحق الدائنين العاديين بمالية التركة، أي بقيمتها، لا بأعيانها، سواء أكان تصرف المريض مع وارث أم غير وارث. فيصح تصرف المريض بمال مطلقاً (لوارث أو لغير وارث) إذا كان بثمن المثل أي بدون غبن، إذ ليس فيه ضرر بباقي الورثة؛ لأن حقوقهم في التركة متعلقة بناحية أنها مال فقط.
والخلاصة: أن هناك ـ على الرأي الراجح وهو رأي أبي حنيفة ـ فرقاً بين حق الدائنين وحق الورثة: وهو أن حق الدائنين يتعلق بمال المدين فقط، لا بأعيان التركة نفسها. حتى جاز للمريض مبادلة مال بيعاً أو شراءً دون حاجة لإذن الدائن، ويجوز للورثة إعطاء الدائن دينه نقداً، ثم يتصرفون بأعيان التركة كما يشاؤون.
(1) الحق الشخصي: هو علاقة بين شخصين يكون أحدهما مكلفاً تجاه الآخر بعمل أو بالامتناع عن عمل كحق الدائن في ذمة المدين، أو حق المودع على الوديع في ألا يستعمل الوديعة. والحق العيني: علاقة مباشرة بين شخص وشيء معين بذاته مثل حق الملكية على الأموال وحق الارتفاق المقرر على عقار معين مثل حق المرور أو المسيل.