الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيره، العقد حينئذ صحيح والشرط لاغ؛ لأن في هذا الشرط حرمان العاقد من الاستفادة مما يثبته العقد له من حقوق.
2) الشرط المنهي عنه أو المخالف لحكم الله ورسوله
، كاجتماع صفقتين في عقد واحد، مثل اشتراط البائع على المشتري إيجار الدار لفلان، أو أن يهبه شيئاً، أو يبيع له شيئاً أو يقرضه مبلغاً من المال، أو ألا يبيع الناتج الزراعي كالقطن وغيره إلا له واشتراط الزوجة أن يطلق امرأته الأولى. هذه شروط فاسدة تفسد العقد؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيعتين في بيعة» أو «عن صفقتين في صفقة» (1) ولأن ذلك يؤدي غالباً إلى النزاع بين المتعاقدين في العقد الآخر المشروط، فيسري النزاع إلى العقد الأصلي.
رأي المتأخرين من الحنابلة: أفاض ابن تيمية وابن القيم في بيان نظريتهما في أن الأصل في العقود والشروط الإباحة أو الجواز والصحة حتى يقوم الدليل على المنع؛ لأنها من العادات التي تراعى فيها مصالح الناس. فإن حرمنا ما يجري بين الناس من عقود وشروط، بغير دليل من الشارع، نكون قد حرمنا ما لم يحرمه الله.
والله تعالى أمرنا بالوفاء بالعقود في قوله: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:1/ 5]، وطالبنا النبي عليه السلام بتنفيذ الشروط في قوله المتقدم:«والمسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً» . وقررت الشريعة أن الأصل في العقود رضا المتعاقدين، وأثرها: هو ما أوجباه على نفسيهما بالتعاقد، وذلك في قوله تعالى:{إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [النساء:29/ 4] فالتراضي هو المبيح للتجارة، وقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن
(1) اللفظ الأول رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه عن أبي هريرة. واللفظ الثاني رواه أحمد عن ابن مسعود (نيل الأوطار: 152/ 5).
شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [النساء:4/ 4] فإذا كان طيب النفس هو المبيح للصداق، فكذلك سائر التبرعات.
أما استثناء الشرط أو العقد المناقض حكم الله ورسوله، فلقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم:«من أحدث في أمرنا ـ أو ديننا ـ هذا ما ليس منه فهو رد» وفي لفظ «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» فكل شرط يناقض حكم الله ورسوله يكون باطلاً باتفاق المسلمين، كاشتراط التعامل بالربا أو الاتجار في الخمر ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» والمقصود بالشرط الذي ليس في كتاب الله: هو ما فسره عمر بن الخطاب في رسالته لأبي موسى الأشعري في القضاء: «والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً» .
وأما استثناء الشرط المنافي لمقصود العقد، كاشتراط عدم الانتفاع بالمشترى ببيع أو إيجار، فلأنه جمع بين المتناقضين، أي بين إثبات المقصود ونفيه، فلا يحصل شيء.
ويلاحظ أن الحنابلة حصروا الشرط المنافي في المناقضة لمقصود العقد الأصلي. فلو شرط البائع على المشتري ألا يبيع ما اشتراه، فإنه يكون منافياً أو مبطلاً للمقصود الأصلي من العقد، وهو الملك المبيح للتصرف. أما إذا شرط البائع منفعة أخرى كسكنى الدار أو زراعة الأرض، فإنه لا يكون منافياً لمقتضى العقد، ويكون الشرط صحيحاً. وكذلك في الزواج لو شرط فيه ألا تحل به المتعة الزوجية يبطل العقد، لكن لو شرط فيه عدم ممارسة الاستمتاع الزوجي يصح العقد ويلغو الشرط.
أما الحنفية فقد توسعوا في تفسير المنافاة، وقالوا: كل ما يكون من الشروط فيه منفعة لأحد المتعاقدين، يكون منافياً لمقتضى العقد.
والخلاصة: إن الحنابلة وموافقيهم يرون أن الشريعة فوضت لإرادة العاقدين