الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال جمهور الفقهاء غير الحنفية (1): ينعقد العقد بلفظ الأمر بدون حاجة للفظ ثالث من الآمر، سواء أكان بيعاً أم زواجاً؛ لأن أساس العقد هو التراضي، وقد جرى العرف على استعمال صيغة الأمر في إنشاء العقود كالماضي والمضارع، فينعقد بها العقد، ويكون الآمر أو المستدعي عاقداً فعلاً: بائعاً أو مشترياً مثلاً، وهذا الرأي هو الأرجح لما فيه من تحقيق مصالح الناس ومراعاة أعرافهم وعاداتهم دون مصادمة النصوص الشرعية.
واتفق الفقهاء على عدم انعقاد العقد بصيغة الاستقبال: وهي صيغة المضارع المقرون بالسين أو سوف مثل: سأبيعك؛ لأن ذكر السين يدل على إرادة العقد في المستقبل، فهو وعد بالعقد وليس عقداً، أي أنه يدل على عدم إرادة الحال، فلا ينعقد بها العقد، حتى ولو نوى بها العاقد الإيجاب والقبول.
كذلك لا ينعقد العقد بصيغة الاستفهام، لدلالتها على المستقبل، لأنها سؤال الإىجاب والقبول، وليست إيجاباً ولا قبولاً، كأن يقول المشتري: أتبيع مني هذا الشيء؟ فقال البائع: بعت، لا ينعقد العقد إلا إذا انضم لذلك لفظ ثالث يقوله المشتري مرة أخرى: اشتريت؛ لأن لفظ الاستفهام لا يستعمل للحال حقيقة.
ثانياً ـ التعاقد بالأفعال (العقد بالمعاطاة):
قد ينعقد العقد بدون قول أو لفظ، وإنما بفعل يصدر من المتعاقدين ويسمى في الفقه بالمعاطاة أو التعاطي أو المراوضة: وهو التعاقد بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي دون تلفظ بإيجاب أو قبول (2).
(1) مواهب الجليل للحطاب: 228/ 4 - 240، حاشية الدسوقي: 3/ 3 ومابعدها، بداية المجتهد: 168/ 2، مغني المحتاج: 4/ 2 - 5، المغني: 560/ 3.
(2)
نصت المادة 175 من المجلة على ما يأتي: «حيث إن المقصد الأصلي من الإيجاب والقبول هو تراضي الطرفين، فينعقد البيع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي، ويسمى هذا بيع التعاطي» وذكرت المادة أمثلة لذلك.
مثل أن يأخذ المشتري المبيع، ويدفع للبائع الثمن، أو يدفع البائع المبيع، فيدفع له الآخر ثمنه من غير تكلم ولا إشارة، سواء أكان المبيع حقيراً أم نفيساً.
ففي البيع لو وجد الرجل سلعة مسعرة كتب عليها الثمن كساعة أو حلي، فناول الثمن للبائع وأخد السلعة دون إيجاب وقبول لفظيين، انعقد البيع لدلالته على التراضي في عرف الناس. كذلك ينعقد لو اقتصر المشتري على دفع عربون؛ لأنه جزء من الثمن.
وفي الإجارة: لو ركب الإنسان سيارة من وسائل النقل، ثم دفع ثمن التذكرة إلى الجابي دون كلام متبادل صح الإيجار عرفاً.
لكن الفقهاء اختلفوا في التعاقد بالتعاطي في العقود المالية على أقوال ثلاثة:
الأول ـ مذهب الحنفية (1) والحنابلة (2): ينعقد العقد بالتعاطي فيما تعارفه الناس، سواء أكان الشيء يسيراً كالبيضة والرغيف والجريدة أم نفيساً (كثير الثمن) كالدار والأرض والسيارة؛ لأن تعارف الناس دليل ظاهر على التراضي، سواء تمت المبادلة الفعلية من الجانبين، أو من جانب واحد ومن الآخر اللفظ على الأصح المفتى به، وسواء في ذلك البيع والإجارة والإعارة والهبة والرجعة.
وذلك بشرط أن يكون ثمن المعقود عليه معلوماً تماماً، وإلا فسد العقد، وألا يصرح العاقد مع التعاطي بعدم الرضا بالعقد.
والقانون المدني السوري يتفق مع هذا الرأي، كما جاء في المادة (1/ 93).
(1) البدائع: 134/ 5، فتح القدير: 77/ 5، الدر المختار ورد المحتار: 11/ 4 ومابعدها.
(2)
غاية المنتهى: 5/ 2.