الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيجاب وحده، وأما القبول من الدائن أو المدين فليس ركناً عند هؤلاء. فتكون التزاماً جانب واحد. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن (1): ركن الكفالة: الإيجاب من الكفيل، والقبول من الدائن.
العقد بإرادة منفردة:
الأصل العام في العقود أن يكون العاقد متعدداً، أي أن العقد ينشأ بإيجاب وقبول يعبر كل واحد منهما عن إرادة صاحبه؛ لأن العقد ينشئ آثاراً متعارضة وحقوقاً أو التزاماتٍ متضادة، مثل تسليم المبيع وتسلمه، والمطالبة بتسليم المبيع وقبض الثمن، ورد المبيع بالعيب، وفسخ العقد بالخيارات، ويستحيل أن يكون الشخص الواحد في زمان واحد مسلِّماً ومتسلماً، طالباً ومطالباً، مملكاً ومتملكاً، مما يوجب أن يكون العقد من طرفين، لكل منهما إرادته وعبارته والتزامه، لا من شخص واحد ليس له إلا إرادة واحدة.
لكن استثناء من هذا الأصل يجوز عند بعض الفقهاء إبرام العقد بعاقد واحد في بعض حالات البيع والزواج.
البيع بعاقد واحد:
أجاز الحنفية ما عدا زفر (2) انعقاد البيع بإرادة شخص واحد متخذاً صفتين بالنيابة عن البائع وعن المشتري، في حالات نادرة هي شراء الأب، أو وصيه، أو الجد، مال الصغير لنفسه، أو بيع مال نفسه من الصغير، وبيع القاضي والرسول
(1) فتح القدير: 390/ 5، البدائع: 2/ 6، الدر المختار: 261/ 4، مجمع الضمانات: ص 275.
(2)
البدائع: 232/ 2، 136/ 5، رد المحتار لابن عابدين: 5/ 4، فتح القدير: 428/ 2، تبيين الحقائق: 211/ 6.
عن طرفي العقد؛ لأن القاضي لا ترجع إليه حقوق العقد أي (لا يلتزم بشيء من التزامات العقد كالتسليم ودفع الثمن)، فكان بمنزلة الرسول، والرسول بعكس الوكيل عن الجانبين لا تلزمه حقوق العقد؛ لأنه سفير ومعبر عن كلام الأصيل، فجاز لكل من القاضي والرسول تولي العقد عن الجانبين. ولا يجوز ذلك للوكيل من الجانبين.
لكن تعامل الأب مع الصغير لنفسه مقيد بأن يكون السعر بمثل قيمة الشيء، أو بشيء يسير من الغبن المعتاد حدوثه بين الناس عادة؛ لأن الأب مفترض فيه كمال الشفقة والرحمة ووفرة الرعاية لمصلحة الصغير.
وأما وصي الأب فمقيد تعامله مع الصغير عند أبي حنيفة وأبي يوسف بأن يكون تصرفه بمال الصغير لنفسه بمثل القيمة، أو بما فيه نفع ظاهر (أو خير بيّن) لليتيم (1)، لأنه مرضي الأب، والظاهر ما رضي به إلا لوفور شفقته على الصغير. ولم يجز محمد بن الحسن تصرف الوصي بمال الصغير لنفسه بمثل القيمة؛ لأن التساهل في الأب لكمال شفقته بخلاف الوصي.
وأجاز الحنابلة أن يتولى عاقد واحد عن الجانبين كالوكيل عن الطرفين عقد البيع ونحوه من عقود المعاوضات الأخرى كالإجارة مثلاً؛ لأن حقوق العقد وآثاره أو التزاماته ترجع عندهم للموكل نفسه صاحب الشأن. كما أجازوا ذلك أيضاً في عقد الزواج، وفي الدعوى، فيصح أن يكون الشخص الواحد وكيلاً في الدعوى عن المدعي والمدعى عليه، ممثلاً مصلحة الطرفين ومقيماً الحجة أو الدفوع لكل منهما (2).
(1) النفع الظاهر في العقار يكون بشراء الوصي لنفسه من الصغير بضعف القيمة، ويبيع بنصفها. وفي المنقول ببيع ما يساوي 15 بعشرة، وشراء ما يساوي عشرة بخمسة عشر.
(2)
كشاف القناع: 238/ 2، المغني: 109/ 5، مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى للسيوطي الرحيباني: 464/ 3، ط المكتب الإسلامي بدمشق.