الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعسفاً، ولا يترتب على ذلك ضمان، كالطبيب الجراح الذي يجري عملية جراحية معتادة، ويموت المريض، فلا يضمن. ومثله من يوقد فرناً يتأذى الجيران بدخانه، أو يدير آلة يتضرر الجيران بصوتها المعتاد، فلا ضمان؛ لأن كل ذلك معتاد مألوف.
وبناء عليه: من يشعل ناراً في أرضه، فطار منها شرر أحرق شيئاً لجاره، إن كان ذلك في أحوال عادية فلا ضمان عليه. وإن كان ذلك في وقت هبوب الرياح واشتدادها، فعليه الضمان.
وكذلك سقاية الأرض، إن كان سقياً عادياً، فتسرب الماء إلى أرض الجار، فلا ضمان، وإن كان سقياً غير عادي بماء لا تحتمله الأرض عادة، فعليه ضمان الضرر اللاحق بالغير (1).
والمقياس في ذلك هو العرف الذي يحدد كون التصرف معتاداً أو غير معتاد. وعليه تطبق أحكام التعامل مع الخباز والكواء إذا أحرق ما سلِّم له، يضمن إذا تصرف تصرفاً غير معتاد بزيادة وقود النار، وحرارة الكهرباء.
القاعدة الخامسة ـ استعمال الحق مع الإهمال أو الخطأ:
إذا استعمل الإنسان حقه على وجه ليس فيه احتياط واحتراس وتثبت، فأضر بالغير، وهذا ما يعرف بالخطأ، كان متعسفاً أو مسؤولاً مسؤولية تقصيرية.
سواء أكان خطأ في القصد، كما إذا رأى الصياد شبحاً من بعيد، فظنه صيداً، فأطلق عليه النار، فإذا هو إنسان.
أو كان خطأ في الفعل، كما إذا سدد الصائد الرمية على صيد، فانحرفت وأصابت إنساناً، أو تجاوزت الصيد إلى إنسان فقتلته.
(1) الهداية: 197/ 3، المهذب: 401/ 1.
فذلك كله إساءة في استعمال الحق يترتب عليه تعويض الضرر الذي أصاب الغير؛ لأنه كان يجب عليه التثبت والانتباه أو الاحتراس في كل من القصد والفعل، فإذا قصد في ذلك تحمل نتيجة فعله صوناً لدماء الناس وأموالهم.
والدليل أن الله تعالى أوجب تعويض الضرر في القتل الخطأ بالدية، ومنع النبي من الضرر في الحديث المتقدم:«لا ضرر ولا ضرار» ولا سبيل إلى رفع الضرر بعد وقوعه إلا بإيجاب الضمان أو التعويض.
ومجال هذه القاعدة هو الضرر الناشئ عن الخطأ في استعمال الحق، سواء أكان هذا الحق ثابتاً بإذن الشارع، أم بالعقد أم بغيرهما من مصادر الحق؛ لأن استعمال الحقوق مقيد بشرط السلامة كما يقرر الفقهاء (1)، ولأن أموال الناس ودماءهم معصومة لا تهدر بحال، فيجب ضمانها وتعويض الضرر الواقع عليها.
وأساس هذه القاعدة حصول الضرر، سواء أكان قليلاً أم كثيراً.
ولا تطبق هذه القاعدة في حالتين:
الأولى ـ إذا كان استعمال الحق لايمكن فيه الاحتراز أو التثبت عادة، كالطبيب الذي يجري عملية جراحية على النحو المعتاد، فأفضى ذلك إلى تلف عضو أو نفس، لا يكون ضامناً.
الثانية ـ إذا اتخذ الشخص الاحتياطات، ومع ذلك وقع الضرر، فلا يضمنه كما إذا قام إنسان بالتدرب على إطلاق النار في ملكه، ووضع لافتات على أرضه بعدم الدخول، فلا ضمان عليه إذا أصاب أحداً دخل أرضه. كما لاضمان على من سلك طريقاً مخوفاً أو فيه سباع فوجد مقتولاً، لا تجب ديته (2).
(1) الهداية: 154/ 4 ومابعدها.
(2)
الهداية: 181/ 4.