الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والردع ويتحقق بذلك (1). واستيفاء عقوبة هذه الجرائم للحاكم، فهو الذي يؤدب على ترك العبادات أو التهاون بشأنها، وهو الذي يقيم الحدود والتعزيرات على العصاة منعاً من الفوضى وتثبيتاً من وقوع الجريمة.
2 - حق الإنسان (أو العبد):
وهو ما يقصد منه حماية مصلحة الشخص، سواء أكان الحق عاماً كالحفاظ على الصحة والأولاد والأموال، وتحقيق الأمن، وقمع الجريمة، ورد العدوان، والتمتع بالمرافق العامة للدولة؛ أم كان الحق خاصاً، كرعاية حق المالك في ملكه، وحق البائع في الثمن والمشتري في المبيع، وحق الشخص في بدل ماله المتلف، ورد المال المغصوب، وحق الزوجة في النفقة على زوجها، وحق الأم في حضانة طفلها، والأب في الولاية على أولاده، وحق الإنسان في مزاولة العمل ونحو ذلك.
وحكم هذا الحق أنه يجوز لصاحبه التنازل عنه، وإسقاطه بالعفو أو الصلح أو الإبراء أو الإباحة، ويجرى فيه التوارث، ولا يقبل التداخل، فتتكرر فيه العقوبة على كل جريمة على حدة، واستيفاؤه منوط بصاحب الحق أو وليه.
3 - الحق المشترك:
وهو الحق الذي يجتمع فيه الحقان: حق الله وحق الشخص، لكن إما أن يغلب فيه حق الله تعالى أو حق الشخص.
مثال الأول: عدة المطلقة، فيها حق الله: وهو صيانة الأنساب عن الاختلاط، وفيها حق الشخص، وهو المحافظة على نسب أولاده، لكن حق الله غالب؛ لأن في صيانة الأنساب نفعاً عاماً للمجتمع، وهو حمايته من الفوضى
(1) البدائع: 55/ 7 ومابعدها، 86، المبسوط: 185/ 9.
والانهيار. ومثاله أيضاً: صيانة الإنسان حياته وعقله وصحته وماله، فيها حقان، لكن حق الله غالب لعموم النفع العائد للمجتمع. ومثاله عند الحنفية (1) حد القذف (وهو ثمانون جلدة لمن يتهم غيره بالزنا) فيه حقان: حق للمقذوف بدفع العار عنه وإثبات شرفه وحصانته، وحق الله: وهو صيانة أعراض الناس وإخلاء العالم من الفساد، والحق الثاني أغلب (2).
وحكمه: أنه يلحق بالقسم الأول، وهو حق الله تعالى باعتبار أنه هو الغالب.
ومثال الثاني: حق القصاص الثابت لولي المقتول، فيه حقان: حق لله وهو تطهير المجتمع عن جريمة القتل النكراء، وحق للشخص: وهو شفاء غيظه وتطييب نفسه بقتل القاتل، وهذا الحق هو الغالب؛ لأن مبنى القصاص على المماثلة، بقوله تعالى:{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} [المائدة:45/ 5] والمماثلة ترجح حق الشخص.
وحكمه أنه يلحق بالقسم الثاني: وهو حق الشخص في جميع أحكامه، فيجوز لولي المقتول العفو عن القاتل، والصلح معه على مال، بل ندب الله تعالى إلى العفو والصلح، فقال:{فمن عفي له من أخيه شيء، فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان، ذلك تخفيف من ربكم ورحمة} [البقرة:178/ 2]. وقال عز وجل: {ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل، إنه كان منصوراً} [الإسراء:33/ 17].
(1) فتح القدير: 194/ 4، البدائع: 56/ 7، المبسوط: 113/ 9، رد المحتار والدر المختار: 189/ 4.
(2)
وقال الشافعية والحنابلة وفي قول لمالك هو الأظهر عند ابن رشد: حد القذف حق خالص للمقذوف، لأن القذف جناية على عرضه، وعرضه حقه فالعقاب حقه.