الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذبوح. ويقرب منه قول الحنابلة: إن كانت الآلة كالة، وأبطأ قطع الحيوان وطال تعذيبه، لم يبح أكله، لأنه مشكوك في وجود ما يحله.
والخلاصة: إن الجمهور أجازوا التذكية بالعظم، وحرم الشافعية الذبح به. وأما السن والظفر فأجاز الحنفية الذبح بالمنزوع منهما، وحرم الشافعية والحنابلة الذبح بهما متصلين أو منفصلين. وصحح ابن رشد المالكي الذبح بهما عند الانفصال، ولا يجوز حالة الاتصال، أي كما قال الحنفية.
المبحث الرابع ـ الحيوان الذبيح
الكلام في هذا المبحث مجمل بالقدر المتصل بالذبائح، والتفصيل فيه سبق في مبحث مستقل عن «الأطعمة والأشربة» .
التذكية شرط لحل الأكل من الحيوان البري المأكول، فلا يحل أكله ـ كما تقدم ـ بدون الذكاة، لقوله تبارك وتعالى:{حرمت عليكم الميتة والدم} ـ إلى قوله: {إلا ماذكيتم} [المائدة:3/ 5] استثنى سبحانه المذكى من المحرم، والاستثناء من التحريم إباحة.
والحيوان بالنسبة للذبح أو الذكاة الشرعية أنواع ثلاثة: مائي، وبري، وبرمائي (بري ـ مائي)؛ لأن منه مايؤكل بدون ذكاة، ومنه ما يؤكل بالذكاة، ومنه ما لا يؤكل وإن ذكي.
النوع الأول ـ الحيوان المائي:
الحيوان المائي: هو الذي لا يعيش إلا في الماء فقط. وللعلماء في أكله رأيان:
1 -
مذهب الحنفية (1)، جميع مافي الماء من الحيوان محرم الأكل إلا السمك خاصة، فإنه يحل أكله بدون ذكاة إلا الطافي (2) منه، فإن مات وطفا على الماء لم يؤكل. وأدلتهم كثيرة منها قوله تعالى:{حرمت عليكم الميتة} [المائدة:3/ 5] وقوله {ويحرِّم عليهم الخبائث} [الأعراف:157/ 7] وما سوى السمك: من الضفادع والسرطان والحية ونحوها: من الخبائث.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دواء يتخذ فيه الضفدع، ونهى عن قتل الضفادع (3)، وذلك نهي عن أكله؛ لأن النهي عن قتل الحيوان، إما لحرمته كالآدمي، وإما لتحريم أكله، كالصُّرَد (4)، والهدهد. وبما أن الضفدع ليس بمحترم، فكان النهي منصرفاً إلى الوجه الآخر، وهو تحريم الأكل.
وأما دليل تحريم أكل السمك الطافي، فهو حديث جابر:«ما ألقاه البحر، أو جزر عنه، فكلوه، وما مات فيه، وطفا، فلا تأكلوه» (5).
2 -
مذهب الجمهور غير الحنفية (6)، ورأيهم هو الأصح: حيوان الماء:
(1) البدائع: 35/ 9 - 39، تبيين الحقائق: 294/ 5 - 297، تكملة الفتح: 61/ 8 - 65، الدر المختار: 214/ 5 - 217، اللباب: 228/ 3 - 231.
(2)
الطافي على وجه الماء: هو الذي مات حتف أنفه، وهو ما بطنه من فوق. أما لو كان ظهره من فوق، فليس بطاف، فيؤكل. كما يؤكل الموجود في بطن الطافي لموته بضيق المكان. قال العلامة عبد البر: الأصل في إباحة السمك أن ما مات بآفة (أي بسبب) يؤكل، وما مات بغير آفة لا يؤكل. فالذي مات بحر الماء وبرده، أو بربطه فيه أو إلقاء شيء فيه، فموته بآفة (رد المحتار: 216/ 5).
(3)
رواه أبو داود والنسائي والحاكم، وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود الطيالسي:«أن طبيباً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضفدع يجعلها في دواء، فنهى عن قتلها» نصب الراية: 201/ 4.
(4)
الصرد: الطائر ضخم الرأس أبيض البطن أخضر الظهر يصطاد صغار الطير.
(5)
رواه أبو داود وابن ماجه. وهو حديث ضعيف (نصب الراية: 202/ 4، تخريج أحاديث تحفة الفقهاء، 70/ 3).
(6)
بداية المجتهد: 425/ 1، 456، القوانين الفقهية: ص 171 - 181، مغني المحتاج: 267/ 4، 297، المهذب: 250/ 1، المغني: 606/ 8 - 608، كشاف القناع: 202/ 6.
السمك وشبهه مما لا يعيش إلا في الماء كالسرطان وحية الماء وكلبه وخنزيره ونحو ذلك، حلال يباح بغير ذكاة، كيف مات، حتف أنفه، أو بسبب ظاهر، كصدمة حجر، أو ضربة صياد، أو انحسار ماء، راسياً كان أو طافياً، وأخذه ذكاته، لكن إن انتفخ الطافي بحيث يخشى منه السقم يحرم للضرر.
إلا أن الإمام مالك كره خنزير الماء، وقال: أنتم تسمونه خنزيراً.
وقال الليث بن سعد: أما إنسان الماء، وخنزير الماء، فلا يؤكلان على شيء من الحالات.
واستدل الجمهور بقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه، متاعاً لكم وللسيارة} [المائدة:96/ 5] واسم «الصيد» يقع على ما سوى السمك من حيوان البحر، فيقتضي أن يكون الكل حلالاً. وبقوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن التوضؤ بماءالبحر، فقال:«هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» (1) وبقوله عليه السلام: «أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالجراد والحوت، وأما الدمان: فالكبد والطحال» (2) وبحديث: «إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم» (3) وبحديث صحيح عند الشيخين وأحمد في العنبر (4): «أن أبا عبيدة وأصحابه وجدوه بشاطئ البحر ميتاً، فأكلوا منه شهراً حتى سمنوا، وادهنوا، وقدموا منه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأكل منه (5)» ؛ ولأنه لا دم لحيوان الماء.
(1) رواه الخمسة ومالك وابن أبي شيبة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والترمذي عن أبي هريرة (سبل السلام: 14/ 1، نيل الأوطار: 149/ 8).
(2)
أخرجه أحمد وابن ماجه والدارقطني عن ابن عمر، وفيه ضعف (سبل السلام: 1/ 52، نيل الأوطار: 147/ 8).
(3)
رواه الدارقطني، وذكره البخاري موقوفاً على أبي شريح بلفظ «كل شيء في البحر مذبوح» (نيل الأوطار: 150/ 8).
(4)
حوت قد يبلغ نحو 60 قدماً، ضخم الرأس، وله أسنان.
(5)
رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة (جمع الفوائد: 542/ 1، نصب الراية: 204/ 4).