الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم العقد
وحقوقه في الوكالة:
حكم العقد: هو الغرض والغاية منه. ويراد به هنا الأثر الذي يترتب على العقد شرعاً. ففي عقد البيع: يكون الحكم: هو ثبوت ملكية المبيع للمشتري واستحقاق الثمن للبائع، وفي عقد الإجارة: الحكم هو تملك المستأجر المنفعة، واستحقاق الأجرة للمؤجر.
واتفق الفقهاء على أن حكم العقد الذي يتم بواسطة وكيل: يقع مباشرة للموكل نفسه، لا للوكيل؛ لأن الوكيل يعمل في الحقيقة لموكله وبأمره، فهو قد استمد ولايته منه (1). ويترتب عليه أن المسلم لو وكل غير مسلم في شراء خمر أو خنزير، لم يصح الشراء؛ لأن المسلم ليس له أن يتملك شيئاً من هذين.
حقوق العقد:
هي الأعمال والالتزامات التي لا بد منها للحصول على حكمه أو على الغاية والغرض منه، مثل تسليم المبيع، وقبض الثمن، والرد بالعيب أو بسبب خيار الشرط أو الرؤية، وضمان رد الثمن، إذ استحق (2) المبيع مثلاً.
فإذا باشر المرء العقد بنفسه ولمصلحته عاد إليه حكم العقد وحقوقه. وأما إن توسط وكيل في إجراء العقد وإبرامه، عاد حكم العقد إلى الموكل كما عرفنا، وأما حقوق العقد فتارة ترجع إلى الموكل، وتارة ترجع إلى الوكيل بحسب نوع التصرف الذي يتولاه الوكيل.
و
التصرفات التي يمارسها
الوكيل نوعان:
النوع الأول ـ ما يلزم أن يضيفه الوكيل إلى الموكل، ولا يجوز له إضافته إلى
(1) تبيين الحقائق 256/ 4، الفرائد البهية في القواعد الفقهية للشيخ محمود حمزة: ص137، المغني لابن قدامة: 130/ 5، مغني المحتاج: 229/ 2 ومابعدها، بداية المجتهد: 298/ 2.
(2)
الاستحقاق: هو أن يدعي أحد ملكية شيء موجود في يد غيره ويثبتها بالبينة، ويقضى له بها.
نفسه، فإن أضافه إلى نفسه وقع العقد له لا للموكل، مثل الزواج والطلاق والخلع، والعقود العينية أي التي لا تتم إلا بالقبض وهي خمسة (الهبة والإعارة والإيداع والقرض والرهن). يلزم الوكيل أن يقول حين إبرام العقد: قبلت زواج فلانة لفلان، وطلقت امرأة فلان، ووهبتك من مال فلان، ولا يصح أن يقول: تزوجت أو طلقت على كذا ووهبت؛ فينصرف أثر التصرف إليه، أي أن الزواج يكون للوكيل حينئذ لا للموكل، ويقع الطلاق عنه، لا عن الموكل، ويلزم الهبة من ماله لا من مال الموكل.
وحكم هذا النوع أن حقوق التصرف ترجع إلى الموكل، ولا يطالب الوكيل منها بشيء أصلاً؛ لأن الوكيل في هذه التصرفات يكون سفيراً ومعبراً محضاً عن الموكل. فإذا كان الشخص وكيلاً عن الزوج لا يطالب بالمهر، وإنما يطالب الزوج، وإذا كان وكيلاً عن المرأة لا يطالب بإزفافها إلى بيت زوجها، وإنما تطالب المرأة أو وليها. ولو كان وكيلاً عن الواهب لايلزم الوكيل بتسليم العين الموهوبة، وإنما يطالب الموكل نفسه، ولا يلزم الوكيل بتسليم الموهوب إذا كان وكيلاً عن الموهوب له.
النوع الثاني: ما لا يلزم أن يضيفه الوكيل إلى الموكل، وإنما يصح إضافته له أو لنفسه كالمعاوضات المالية، مثل البيع والشراء والإجارة والصلح الذي هو في معنى البيع (أي الصلح بعوض عن إقرار) فيصح أن يقول الوكيل: بعت أو اشتريت، كما يصح أن يقول: بعت مال فلان، واشتريت لفلان.
وحكم هذا النوع: أن الوكيل إذا أضاف التصرف للموكل، مثل: اشتريت لفلان، رجعت الحقوق للموكل، ولزمته هو، ولا يطالب الوكيل بشيء، لأنه في هذه الحالة مجرد سفير ومعبر عن الأصيل.
وإن أضاف الوكيل التصرف لنفسه رجعت إليه الحقوق دون الموكل؛ لأنه هو الذي باشر العقد ولا يعرف الطرف الآخر سواه. فإذا كان وكيلاً عن البائع لزمه تسليم المبيع للمشتري، وقبض الثمن. وإذا كان وكيلاً عن المشتري واطلع على عيب المبيع، أو أظهر أن المبيع مستحق لغير البائع، كان هو المكلف بمقاضاة البائع وخصومته، ويلزمه ضمان الثمن للمشتري حال استحقاق المبيع، كما يلزمه دفع الثمن للبائع إذا كان المبيع سليماً من العيوب.
ويستثنى من ذلك ما إذا كان العاقد ليس من أهل لزوم العهدة (أي ليس أهلاً للمسؤولية والتزام الحقوق) إما لنقص أهليته كالصبي المحجور عن التصرف، أو لانشغاله كالقاضي وأمين القاضي، فترجع الحقوق حينئذ للموكل نفسه، لا إلى الوكيل.
هذا هو مذهب الحنفية (1). ويوافقهم المالكية والشافعية (2) في ذلك أي في أن حقوق العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل.
وقال الحنابلة (3): إن حقوق العقد ترجع للموكل دون الوكيل؛ لأن الوكيل عندهم مجرد سفير ومعبر عن العاقد الأصيل. لكن في هذا الرأي إضاعة للغرض من الوكالة؛ لأن الموكل يوكل غيره في أموره ليخفف عن نفسه عناء مباشرته لها، أو لأنه لا يليق به أن يباشرها، أو لعدم قدرته على القيام بها، فإذا عادت الحقوق للموكل نفسه لم يتحقق له الغرض من الوكالة (4).
(1) البدائع: 33/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 16/ 6 ومابعدها، تبيين الحقائق: 256/ 4، رد المحتار: 419/ 4، الكتاب مع اللباب: 141/ 2.
(2)
المدونة الكبرى: 83/ 10، 186، الشرح الصغير: 506/ 3 ومابعدها، نهاية المحتاج: 47/ 4، مغني المحتاج: 230/ 2.
(3)
كشاف القناع: 238/ 2، المغني: 97/ 5، مطالب أولي النهي شرح غاية المنتهى: 462/ 3.
(4)
الأموال ونظرية العقد للمرحوم محمد يوسف موسى: ص376.