الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعلم أيها الأخ العزيز- وفقك الله تعالى، وإيانا لما يحبه
منحة السلوك
بالله من شرهم، فالعجب منهم أنهم يدَّعون محبة الله، ويخالفون سنة رسوله؛ لأنهم يصفقون بأيديهم، ويطربون، وينعرون، ويصعقون
(1)
، وكل ذلك جهل منهم. فمن ادعى محبة الله، وخالف سنة رسوله، فهو كذاب، وكتاب الله يكذبه، فلا شك في أنهم لا يعرفون ما الله، ولا يدرون ما محبة الله، وهم قد يصورون في أنفسهم الخبيثة صورة معشقة، وخيالًا فاسدًا، فيظهرون بذلك وجدًا عظيمًا، وبكاء جسيمًا، وحركات مختلفة، وبعبعة
(2)
عظيمة، والأزباد
(3)
تنزل من أفواههم، حتى أن الجهال، والحمقى من العامة، يعتقدونهم، ويلازمونهم، وينسبون أنفسهم إليهم، ويتركون شريعة الله، وسنة رسوله، فما هم إلا في الدعاوي الفاسدة، والأقوال الكاسدة، أعاذنا الله وإياكم من شر هؤلاء الطائفة، ومن شر الجنة، والناس.
[نصيحة المؤلف]
قوله: اعلم أيها الأخ العزيز.
أقول: لما ختم المصنف الكتاب الذي وعده لبعض إخوانه في الدين، نبه على نصيحة عظيمة بقوله: وفقك الله -تعالى- وإيانا إلى آخره.
(1)
يقال: صعق الرجل صعقة، أي: غشي عليه، وذهب عقله.
لسان العرب 10/ 198، مادة صعق، القاموس المحيط 2/ 824، مادة ص ع ق، مجمل اللغة ص 410، مادة الصاد والعين وما يثلثهما مادة صعق.
(2)
البعبعة: تكرير الكلام في عجلة.
القاموس المحيط 1/ 291، مادة ب ع ب ع، معجم مقاييس اللغة 1/ 184، باب الباء وما بعدها في الذي يقال له المضاعف مادة بعّ، لسان العرب 8/ 17 مادة بعع.
(3)
الزاي والباء والدال، أصل واحد، يدل على تولد شيء عن شيء، من ذلك زبد الماء، وإذا غضب الإنسان ظهر على صماغيه زبدتان، وأخرج لعابه من فمه.
معجم مقاييس اللغة 3/ 43، باب الزاء والياء وما يثلثهما مادة زبد، لسان العرب 3/ 193، مادة زبد، القاموس المحيط 2/ 428 مادة ز ب د.
ويرضاه-: أن سعادة الدنيا فانية، وسعادة الآخرة باقية، قال النبي عليه
منحة السلوك
وتوفيق الله لعباده، أن يجعل جميع أقوالهم، وأفعالهم موافقة لمحبته، ورضاه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، ويرشدهم إلى منهج قويم
(1)
.
ومفعول "اعلم" قوله: "إن سعادة الدنيا فانية" وكلمة "إن" باسمها وخبرها، قد سدَّت مسد مفعولي اعلم.
وقوله: وفقك الله إلى آخره جملة دعائية معترضة، ولا شك أن سعادة الدنيا فانية؛ لأنا نعلم بعين اليقين فناء الخلق، وتغيرات الزمان، ونعلم بعلم اليقين أن سعادة الآخرة باقية؛ لما أن الله تعالى أخبر في كتابه الكريم في مواضع كثيرة، بأن عز الآخرة وسعادتها باقية، والعجب من العاقل كيف يختار الدنيا الفانية، على الآخرة الباقية؟ مع أنها ملعونة في لسان الشرع، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالمًا، أو متعلمًا" رواه ابن ماجه
(2)
ولكن الحرص المُركَّب من الشهوة، والهوى جذبه إلى ذلك وأحبه إياها، ولو كانت دار الدنيا في الحقيقة من ذهب، ودار الآخرة من خزف
(3)
، لكان العاقل يختار
(1)
أي: مستقيم.
لسان العرب 12/ 503 مادة قوم، مختار الصحاح ص 233، مادة ق وم، القاموس المحيط 3/ 719 مادة ق وم.
(2)
2/ 1377، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا رقم 4112، ورواه أيضًا الترمذي 7/ 80، كتاب الزهد، باب الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله، أو عالم، أو متعلم رقم 2323، وذكره الدارقطني في العلل 1/ 319 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال الترمذي 7/ 80: هذا حديث حسن غريب.
ورمز له السيوطي في الجامع الصغير ص 260، رقم 4281 بالحسن.
(3)
الخزف: هو الطين المعمول آنية قبل أن يطبخ وهو الصلصال فإذا شوي فهو الفخار.
مختار الصحاح ص 73، مادة خ ز ف، المغرب ص 353، مادة الفخار، القاموس =