الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاستغفار والتوبة
من الصحاح
1673 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
قلت: رواه البخاري في الدعوات من حديث أبي هريرة وكذا الترمذي ولم يخرجه مسلم. (1)
1674 -
قال صلى الله عليه وسلم: "إنه ليغان على قلبي؛ وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة".
قلت: رواه مسلم في الدعوات وأبو داود في الصلاة والنسائيُّ في اليوم والليلة كلهم من حديث الأغر بن يسار ولم يخرجه البخاري ولا أخرج في كتابه عن الأغر شيئًا. (2)
قوله صلى الله عليه وسلم: ليغان، هو بضم الياء وبالغين المعجمة، قال الخطابي (3): أصله من الغين وهو الغطاء، وكل حائل بينك وبين شيء فهو غين وقيل: هو همه بسبب أمته، وما اطلع عليه من أحوالهم بعده حتى كان يستغفر لهم، وقيل: هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه، لقوله تعالى:{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} واستغفاره لها إظهار للعبودية والإفتقار وقيل غير ذلك.
1675 -
قال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة".
قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث الأغر، وهو من إفراد مسلم عن الكتب الستة. (4)
(1) أخرجه البخاري (6307)، والترمذي (3259).
(2)
أخرجه مسلم (2702)، وأبو داود (1515)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (442)، وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 552).
(3)
معالم السنن (1/ 257)، وانظر كذلك: شرح السنة (5/ 70).
(4)
أخرجه مسلم (2702). وانظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي (3/ 552).
1676 -
قال صلى الله عليه وسلم: "فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنَّه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيَطُ إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، ثمَّ أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث أبي إدريس الخولاني واسمه عائذ الله بن عبد الله عن أبي ذر ولم يخرجه البخاري (1) واسم أبي ذر جندب بن جنادة.
ومعنى: حرمت الظلم على نفسي، تقدست عنه، وتعاليت، والظلم مستحيل منه سبحانه وتعالى لأنَّ التصرف في غير ملكه أو مجاوزة الحد، وكلاهما مستحيل في حقه تعالى، وكيف يجاوز سبحانه حدًّا، وليس فوقه من يطيعه، وكيف يتصرف في غير ملكه، والعالم كله ملكه. وأصل التحريم في اللغة: المنع فسمى تقدسه عن الظلم تحريمًا لمشابهة الممتنع في الأصل عدم الشيء.
قوله: فلا تظالموا، هو بفتح التاء أي تتظالموا، والمراد لا يظلم بعضكم بعضًا، وهذا توكيد لقوله تعالى:(وجعلته بينكم محرمًا).
(1) أخرجه مسلم (2577).
قوله: (كلكم ضال إلا من هديته) ظاهر، هذا يقتضي أنهم خلقوا على الضلالة إلا من هداه الله تعالى، وفي صحيح مسلم:"إني خلقت الخلق حنفاء كلهم" وقال صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة" قال المازري (1): قد يكون المراد بالأول وصفهم على ما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، أو أنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة ولضلوا، وهذا الثاني أظهر.
وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسار أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله تعالى، وبهدى الله اهتدي، وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون، ولم يرد هداية الآخرين، ولو أرادها لاهتدوا خلافًا للمعتزلة في قولهم الفاسد: إن الله تعالى أراد هداية الجميع، جل الله عن أن يريد ما لا يقع أو يقع ما لا يريد.
والمخيط: بكسر الميم وفتح الياء هو الإبرة، وهذا تقريب إلى الأفهام ومعناه: لا ينقص شيئًا؛ لأنَّ ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه صفتان له قديمتان، لا تطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر، لأنه غاية ما يضرب به المثل في القله، والمقصود التقريب إلى الأفهام بما يشاهدونه، فإن البحر من أكبر المرئيات حجمًا، والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء، قوله: يا عبادي إنكم تخطئون، الرواية المشهورة في مسلم، تخطئون بضم التاء وروي بفتحها، وفتح الطاء يقال خطأ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطيء ويقال في الآثم أيضًا أخطأ فهما صحيحان.
1677 -
قال صلى الله عليه وسلم: "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانًا، ثمَّ خرج يسأل، فأتى راهبًا فسأله فقال: أَلَه توبة؟ فقال: لا، فقتله، وجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة
(1) انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 165)، وإكمال المعلم (8/ 46)، والمنهاج للنووي (16/ 199 - 201).
الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه: أن تقرّبي، وإلى هذه: أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له".
قلت: رواه البخاري في أحاديث بني إسرائيل واللفظ له، ومسلم في التوبة.
وابن ماجه في الديات (1) كلهم من حديث أبي الصديق الناجي واسمه بكر بن عمرو عن أبي سعيد الخدري يرفعه.
ونأى بصدره: أي نهض، ويجوز تقديم الهمزة على الألف وعكسه.
وهذا الحديث دليل على أن توبة القاتل عمدًا مقبولة، ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس، وهذا الحديث وإن كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف فليس هذا موضع الخلاف وإنما موضعه إذ لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا شك، وقد ورد في شرعنا قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ} إلى قوله تعالى؛ {إِلَّا مَنْ تَابَ} .
1678 -
قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".
قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث يزيد بن الأصم عن أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (2)
1679 -
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
قلت: رواه مسلم في التوبة والنسائيُّ في التفسير من حديث أبي موسى ولم يخرجه البخاري. (3)
(1) أخرجه البخاري (3470)، ومسلم (2766)، وابن ماجه (2622). وبكر بن عمرو قال عنه الحافظ في "التقريب" ثقة (ت 755).
(2)
أخرجه مسلم (2749).
(3)
أخرجه مسلم (2759)، والنسائيُّ في الكبرى (11180)، وفي التفسير (200).
1680 -
قال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا اعترف، ثمَّ تاب تاب الله عليه".
قلت: رواه الشيخان في حديث الإفك من حديث عائشة. (1)
1681 -
قال صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه".
قلت: رواه مسلم في الدعوات من حديث أبي هريرة ولم يخرجه البخاري. (2)
1682 -
قال صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأَيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أَيس من راحلته، فبينما هو كذلك، إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثمَّ قال -من شدة الفرح-: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح".
قلت: رواه مسلم في التوبة من حديث أنس بهذا اللفظ وأخرجه البخاري مختصرًا. (3)
قال الخطابي (4): معناه الرضا، وهو كناية عن الرضا وسرعة القبول وحسن الجزاء، لتعذر إطلاق ظاهر الفرح على الله تعالى. قال بعضهم: الفرح ينقسم على وجوه: منها السرور، والسرور يقارنه الرضى بالمسرور به قال: والمراد هنا أن الله تعالى يرضى بتوبة عبده أشد مما يرضى وأجد ضالته بالفلاة، فعبر عن الرضى بالفرح تأكيدًا لمعنى الرضى في نفس السامع ومبالغة في تقديره.
1683 -
قال صلى الله عليه وسلم: "إن عبدًا أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثمَّ مكث ما شاء الله، ثمَّ أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت ذنبًا آخر فاغفره، فقال أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر
(1) أخرجه البخاري (4141)، ومسلم (2770).
(2)
أخرجه مسلم (2703).
(3)
أخرجه البخاري (6309)، ومسلم (2747).
(4)
أعلام الحديث (3/ 2238).
الذنب ويأخذ به؟ قد غفرت لعبدي، ثمَّ مكث ما شاء الله، ثمَّ أذنب ذنبًا فقال: رب أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي فليعمل ما شاء".
قلت: رواه البخاري في التوحيد واللفظ له ومسلم في التوبة والنسائيُّ في اليوم والليلة من حديث أبي هريرة (1) وفي رواية: اعمل ما شئت فقد غفرت لك.
معناه: ما دمت تذنب ثمَّ تتوب غفرته لك، هذا يدلّ على أنَّه لو تكرر الذنب مرارًا كثيرة وتاب كل مرة، قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الذنوب توبة واحدة صحت توبته.
1684 -
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أن رجلًا قال: "والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله قال: من ذا الذي يتألّى عليّ أني لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطتُ عملك" أو كما قال.
قلت: رواه مسلم في الأدب من حديث جندب بن عبد الله. (2)
ومعنى: يتألّى؛ يحلف، والألية: اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة من غفران الذنوب بلا توبة، إذا شاء الله غفرانها.
1685 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنَّه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقنًا بها، فمات من يومه، قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة".
(1) أخرجه البخاري (7507)، ومسلم (2758)، والنسائيُّ في عمل اليوم والليلة (419).
(2)
أخرجه مسلم (2621).