الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الحسان
1939 -
أتاه رجل فقال: يا رسول الله أني أفضت قبل أن أحلق؟ قال: "احلق أو قصّر ولا حرج"، وجاءه آخر، فقال: ذبحت قبل أن أرمي؟ قال: "ارم ولا حرج".
قلت: رواه أحمد وأشار إليه الترمذي فيه من حديث علي رضي الله عنه. (1)
باب خطبته يوم النحر ورمي أيام التشريق والتوديع
من الصحاح
1940 -
خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان، قال: أي شهر هذا؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس البلدة؟ قلنا: بلى، قاله فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلّالًا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائبَ، فرب مبلغ أوعى من سامع".
(1) أخرجه أحمد (1/ 157)، والترمذي (885) قال: حديث حسن صحيح، وفيه عبد الرحمن ابن عياش قال الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام (ت 3831).
قلت: رواه الشيخان: البخاري في مواضع منها: في التفسير وفي بدء الخلق وفي العلم وفي الحج وفي بعضها اخصار، ومسلم في الديات، والنسائيُّ في الحج من حديث أبي بكرة واسمه نفيع. (1)
قوله صلى الله عليه وسلم: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، قال جمهور العلماء: معناه أنهم في الجاهلية كانوا يتمسكون بملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في تحريم الأشهر الحرم، وكان يشق عليهم تحريم القتال ثلاثة أشهر متوالية، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخّروا المحرم إلى الشهر الذي بعده، وهو صفر، ثمَّ يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر وهكذا، يفعلون في سنة بعد سنة، حتى اختلط عليهم الأمر، فصادف حجة النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم المطابق للشرع، وكانوا في تلك السنة قد حرموا ذا الحجة، لموافقة الحساب الذي ذكرناه، فأخبر صلى الله عليه وسلم الاستدارات صادفت ما حكم الله به يوم خلق السموات والأرض.
وقال أبو عبيد: كانوا ينسؤن أي يؤخرون وهو الذي قال الله فيه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} ، فربما احتاجوا إلى الحرب في المحرم، فيؤخرون تحريمه إلى صفر، ثمَّ يؤخرون صفر في سنة أخرى، فصادف في تلك السنة رجوع المحرم إلى موضعه، وأما ذو القعدة: فبفتح القاف، وذو الحجة: بكسر الحاء، على المشهور، ويجوز في لغة قليلة كسر القاف، وفتح الحاء.
واختلفوا في الإذن المستحب في كيفية عد الأشهر الحرم، فقالت طائفة: تعد من سنة واحدة، فيقال: المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة، وقال جماهير العلماء: هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد، لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة.
(1) أخرجه البخاري في التفسير (4406)، وبدء الخلق (3197)، والعلم (105)، والحج (1741)، ومسلم (1679)، والنسائيُّ في الكبرى (4091)(4092).
قوله صلى الله عليه وسلم: ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، إنما قيّد هذا التقييد مبالغة في إيضاحه، وقد كان بين مضر وبين بني ربيعة اختلاف في رجب، وكانت مضر تجعل رجبًا هذا الشهر المعروف، وهو الذي بين جمادى وشعبان، وكانت ربيعة تجعله رمضان، فلهذا أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مضر، وقيل: لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم، قوله صلى الله عليه وسلم: أليس البلدة، أي البلدة المحرمة، قال تعالى:{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} وقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} ويقال: إن البلدة اسم خاص لمكة.
قوله صلى الله عليه وسلم: وأعراضكم، قال في النهاية (1): العرض موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سَلَفه، أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحَسَبه، ويُحامِي عنه أن ينتقص، وقال ابن قتيبة: عِرض الرجل: نفسه وبدنه لا غير، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الجنة: لا يتغوطون ولا يبولون وإنما هو عرق تجري من أعراضهم مثل ريح المسك، يعني من أبدانهم، والأول أولى، ولو كان المراد من الأعراض النفوس، لكان ذكر الدماء كافيًا، لأنَّ المراد من الدماء النفوس.
1941 -
قال: سألت ابن عمر متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامُك فارمه، فأعدت عليه المسألة، فقال: كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا.
قلت: رواه البخاري وأبو داود من حديث وبرة بن عبد الرحمن ولم يخرجه مسلم. (2)
قوله: كنا نتحين أي يتفعّل من الحين أي يطلب الحين وهو الزمان.
1942 -
سالم عن ابن عمر أنَّه كان يرمي جمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبر على أثر كل حصاة، ثمَّ يتقدم حتى يُسهِل فيقوم مستقبل القبلة طويلًا، ويدعوا ويرفع يديه، ثمَّ
(1) النهاية لابن الأثير (3/ 209).
(2)
أخرجه البخاري (1746)، وأبو داود (1972).
يرمي الوسطى بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاة، ثمَّ يأخذ بذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، ثمَّ يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلًا، ثمَّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات، يكبّر عند كل حصاة، ولا يقف عندها، ثمَّ ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
قلت: رواه البخاري والنسائيُّ كلاهما في الحج من حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر. (1)
قوله: الجمرة الدنيا، يعني التي تلي مسجد الخيف وهي تأنيث الأدنى، وإنما وصفت بالدنيا لأنها أقرب إلى الجبل، وإلى منازل النازلين عند مسجد الخيف وهناك مناخ النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: حتى يسهل، يقال أسهل يسهل إذا صار إلى السهل من الأرض وهو ضد الحزن أراد به صار إلى بطن الوادي.
1943 -
استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له.
قلت: رواه الشيخان وأبو داود من حديث نافع عن ابن عمر. (2)
واتفق العلماء على أن المبيت بمنى ليالي أيام التشريق مأمور به، واختلفوا هل هو واجب أم سنة؟ والأصح من مذهب الشافعي أنَّه واجب، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة وآخرون: هو سنة، ومن أوجبه أوجب الدم بتركه، لكن يجوز لأهل السقاية أن يتركوا المبيت ويذهبوا إلى مكة ليسقوا الماء بالليل من زمزم، ويجعلوه في الحياض مسبلًا للشاربين، ولا يختص ذلك عند الشافعي بآل العباس ولا بسقايته، بل لو حدثت
(1) أخرجه البخاري (1752).
(2)
أخرجه البخاري (1634)، ومسلم (1315)، وأبو داود (1959).
سقاية أخرى كان حكمها كذلك، ورعاة الإبل كأهل السقاية، وعلى هذا القياس من له متاع يخشى عليه، أو مريض يريد تعهده جاز له ترك المبيت بها.
1944 -
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى، فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فات رسول الله بشراب من عندها، فقال: اسقني، فقال: يا رسول الله أنهم يجعلون أيديهم فيه، فقال:"اسقني"، فشرب منه، ثمَّ أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال:"اعملوا فإنكم على عمل صالح"، ثمَّ قال:"لولا أن تُغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه وأشار إلى عانقه".
قلت: رواه البخاري من حديث ابن عباس. (1)
1945 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثمَّ رقد رقدة بالمحصّب، ثمَّ ركب إلى البيت فطاف به.
قلت: رواه البخاري والنسائيُّ من حديث أنس. (2)
والمحصّب: بضم الميم وفتح الحاء والصاد المهملتين وتشديد الصاد، هو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى، والتحصيب هو إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع بعد الفراغ من الرمي أن يقيم بالشعب الذي يخرج منه إلى الأبطح حتى يرقد ساعة من الليل ثمَّ يدخل مكة، واستحب الشافعي ومالك النزول بالمحصب للحاج عملًا بهذا الحديث.
قوله: بالمحصب تنازع فيه الفعلان وهما صلى ورقد.
1946 -
سئل أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال: بمنى، قبل: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطح، ثمَّ قال: افعل كما يفعل أمراؤك.
(1) أخرجه البخاري (1635).
(2)
أخرجه البخاري (1756)، والنسائيُّ في الكبرى (4204).
قلت: رواه الجماعة إلا ابن ماجه من حديث عبد العزيز بن رفيع، قال: سألت أنس بن مالك، قلت: أخبرني بشيء عقلته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أين صلى
…
الحديث، وليس في مسلم: وكذا العصر يوم التروية. (1)
ولما اتصل المحصب بالأبطح لم يفرق الراوي بينهما فذلك ذكر في الحديث الذي قبل هذا، أنَّه صلى العصر بالمحصب وفي هذا بالأبطح وكلاهما من حديث أنس.
1947 -
نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج.
قلت: رواه مسلم بهذا اللفظ من حديث عائشة وأخرجه البخاري ولم يقل فيه: نزول الأبطح ليس بسنة، وكذلك بقية أصحاب السنن. (2)
تنبيه: قال المزي في الأطراف (3): حديث نزول الأبطح ليس بسنة، رواه البخاري عن أبي نعيم عن سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة، وليس كما قال، إنما لفظه: إنما كان منزلًا نزله النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه يعني بالأبطح، ولهذا قال عبد الحق: تفرد مسلم بقول عائشة: نزول الأبطح ليس بسنة.
ومعنى أسمح لخروجه: أي أسهل لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل بالأبطح فيترك به نعله ومتاعه، ثمَّ يدخل مكة ليكون خروجه منها أسهل.
(1) أخرجه البخاري (1653)، ومسلم (1309)، وأبو داود (1912)، والترمذي (964)، والنسائيُّ (5/ 249).
(2)
أخرجه البخاري (1765)، ومسلم (1311)، وأبو داود (2008)، والترمذي (923)، وابن ماجه (3067)، والنسائيُّ في الكبرى (4207).
(3)
انظر تحفة الأشراف للمزي (12/ 149) حديث (16912) وقد ذكره أيضًا برقم (16788)، وقال: رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن عائشة.
1948 -
أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح حتى فرغت فأمر الناس بالرحيل، فخرج فمر بالبيت، فطاف به قبل صلاة الصبح، ثمَّ خرج إلى المدينة.
قلت: لم أقف على هذا الحديث بجملته في شيء من الصحيحين إنما الذي في الصحيحين القطعة الأخيرة منه وهي قولها: فأمر الناس بالرحيل إلى آخره، وأول الحديث معناه في الصحيحين لا لفظه، ولفظه في أبي داود (1) هذا ما ظهر لي بعد الكشف.
1949 -
كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ينفرنّ أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت، إلا أنَّه خُفف عن الحائض".
قلت: رواه مسلم في حديثين آخر الأوّل منهما: حتى يكون عهده بالبيت والحديث الثاني: عن ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنَّه خفف عن المرأة الحائض، وروى هذا الثاني البخاري أيضًا ورواه الشافعي في حديثين كمسلم، ورواهما المصنف في شرح السنة من طريق الشافعي ونبّه على أن الأوّل من إفراد مسلم. (2)
والطواف ثلاثة: طواف القدوم: وهو سنة لا شيء على من تركه، وطواف الإفاضة: وهو ركن لا يقوم شيء مقامه، وطواف الوداع: وهو واجب من تركه فعليه دم إلا الحائض والنفساء لا شيء عليهما.
(1) أخرجه أبو داود (2005)، وأخرج معناه عن عائشة في حديث طويل، البخاري (1560)(1788)، ومسلم (1211).
(2)
أخرجه الشافعي (1/ 362)، ومسلم (1327)، وأخرجه الشافعي أيضًا (1/ 364)، ومسلم (1328)، وكذلك البخاري (1755)، والبغويّ في شرح السنة (7/ 232).