الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المنهي عنها من البيوع
من الصحاح
2075 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلًا بتمر كيلًا، وإن كان كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلًا، أو كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام، نهى عن ذلك كله.
قلت: رواه الشيخان في البيوع من حديث عبد الله بن عمر. (1)
والمزابنة: قد فسرت في الحديث، مشتقة من الزبن وهو المخاصمة والمدافعة، وقد اتفق العلماء على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وأنه ربا، وأجمعوا أيضًا على تحريم بيع العنب بالزبيب، وسواء عند الشافعي كان الرطب أو العنب على النخل أو مقطوعًا، وقال أبو حنيفة: إن كان مقطوعًا جاز بيعه بمثله من اليابس.
والحائط قال ابن الأثير (2): هو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
- ويروى: المزابنة: أن يباع ما في رؤوس النخل بتمر بكيل مسمى، إن زاد فلي وإن نقص فعلي.
قلت: رواه الشيخان والنسائيُّ فيه من حديث عبد الله بن عمر. (3)
2076 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة، والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق، والمخابرة: كراء الأرض بالثلث أو الربع.
(1) أخرجه البخاري (2205)، ومسلم (1540).
(2)
النهاية لابن الأثير (1/ 462).
(3)
أخرجه البخاري (2172)، ومسلم (1542).
قلت: رواه الشيخان هنا والإمام الشافعي (1) واللفظ له ثلاثتهم من حديث ابن جريج عن عطاء عن جابر.
والمحاقلة: بضم الميم وبالحاء المهملة وبالقاف المفتوحة: هي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية مأخوذة من الحقل وهو الحرث.
وموضع الزرع هو المخابرة: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة والراء المهملة، وهي والمزارعة متقاربتان، وهما المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع كالثلث والربع لكن في المزارعة يكون البذر من مالك الأرض، وفي المخابرة يكون البذر من العامل، كذا قاله الجمهور ونص عليه الشافعي، والمخابرة مشتقة من الخبر وهو الفلاح. (2)
2077 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة، والمعاومة، وعن الثُّنيا، ورخّص في العرايا.
قلت: رواه مسلم هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري (3) وقد تقدم في الحديث قبله تفسير المحاقلة والمزابنة والمخابرة.
وأما المعاومة: فهو بيع النخل والشجر المثمر سنتين أو ثلاثًا ونحو ذلك.
والثُّنيا: أن يستثني من المبيع شيئًا مجهولًا فيفسد البيع، وسيأتي في الحسان.
والعرايا: عند الشافعي بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر على وجه الأرض، والعنب في الكرم بالزبيب على وجه الأرض فيما دون خمسة أوسق، هذا هو المرخص فيه، وهو مستثنى من المزابنة كما استثني السلم بالجواز من بيع ما ليس عنده.
(1) أخرجه البخاري (2381)، ومسلم (1536)، والشافعيُّ (2/ 152)(525)، وورد في الأصل "ابن عباس" وهو وهم من الناسخ والصحيح أنه في رواية جابر كما أثبت في الهامش.
(2)
المنهاج للنووي (10/ 275).
(3)
أخرجه مسلم (1536).
وفسرت الحنفية العرايا: بأن يعري الرجل من حائطه ثمرة نخلات، ثمَّ يبدوا له فيبطلها ويعطيه مكانها تمرًا، وقال مالك: العرية أن يعري الرجل ثمرة نخلة أو نخلتين فيعطيها رجلًا، ثمَّ يتأذى بدخوله فيشتريها منه بالتمر.
2078 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمرًا، يأكلها أهلها رطبًا.
قلت: رواه الشافعي والشيخان وأبو داود والنسائيُّ كلهم من حديث سهل ابن أبي حثمة في البيوع. (1)
2079 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر بما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسق، شك داود.
قلت: رواه مالك والشافعيُّ والجماعة هنا (2) من حديث أبي هريرة.
شك داود بن الحصين شيخ مالك في الخمسة أوسق، فأخذ الشافعي بدونها لأنه هو المحقق.
2080 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها: نهى البائع والمشتري.
قلت: رواه مالك والشيخان وأبو داود هنا من حديث عبد الله بن عمر (3) ابن الخطاب.
(1) أخرجه البخاري (2191)، ومسلم (1540)، والشافعيُّ في مسنده (2/ 151)، وأبو داود (3363)، والنسائيُّ (7/ 268).
(2)
أخرجه البخاري (2190)، (2382)، ومسلم (1541)، وأبو داود (3364)، والترمذي (1301)، والنسائيُّ (7/ 268)، ومالك (2/ 620)، والشافعيُّ (1/ 144). ولم أجده عند ابن ماجه في هذا الباب وداود بن الحصين أبو سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة، ورُمي برأي الخوارج، التقريب (1789).
(3)
أخرجه البخاري (2194)، ومسلم (1534)، ومالك (2/ 618)، وأبو داود (3367)، والنسائيُّ (7/ 262)، وابن ماجه (2214).
- ويروى: نهى عن بيع النخل حتي تزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة.
قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائيُّ (1) هنا.
قوله: حتى تزهو يقال: زهى النخل إذا ظهرت ثمرته، وأزهى إذا احمر واصفر، قاله ابن الأعرابي وقال غيره: تزهو خطأ وإنما هو يزهي.
والعاهة: الآفة التي إذا أصابت الثمرة والزرع فسد.
2081 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل: وما تزهي؟ قال: "حتى تحمر" قال: "أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ ".
قلت: رواه مالك والشيخان والنسائي هنا من حديث أنس. (2)
2082 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح.
قلت: رواه الشافعي وأبو داود بهذا اللفظ، وأخرج مسلم والنسائيُّ الفصلين مفرقين، وأخرج ابن ماجه النهي عن بيع السنين (3) خاصة، كلهم من حديث سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر، ولم أر الحديث بكماله مجموعًا في شيء من الصحيحين، إنما في مسلم ما ذكرته، وقال الشافعي بعد أن روى الحديث: سمعت سفيان يحدث هذا الحديث كثيرًا في طول مجالستي له، ما لا أحصي ما سمعته يحدثه من كثرته، ولم يذكر فيه: أمر بوضع الجوائح، لا يزيد على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين، ثم زاد بعد ذلك: وأمر بوضع الجوائح، قال سفيان: وكان حميد يذكر بعد بيع السنين كلامًا قبل وضع الجوائح، لا أحفظه، وكنت أكف عن ذكر وضع
(1) أخرجه مسلم (1535)، وأبو داود (3368)، والترمذي (1227)، والنسائيُّ (7/ 270).
(2)
أخرجه البخاري (2198)، ومسلم (1555)، ومالك (2/ 618)، والنسائيُّ (7/ 264).
(3)
أخرجه الشافعي (2/ 151 - 152)، وأبو داود (3374)، والنسائيُّ (7/ 266)، وأخرجه مسلم (1191)، (1536)(1554)، وابن ماجه (2218).
الجوائح لأني لا أدري كيف كان الكلام، وفي الحديث أمر بوضع الجوائح انتهى كلام الشافعي.
قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين، هو أن يبيع الثمرة لأكثر من سنة في عقد واحد، وهو بيع غرر لأنه بيع ما لم يخلقه الله بعد، والجوائح: هي الآفات التي تصيب الثمار فتهلكها، وسيأتي الحكم في ذلك. (1)
2083 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ ".
قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ وابن ماجه كلهم هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (2)
وقد اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح، وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها، ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بآفة سماوية، هل تكون من ضمان البائع أو المشتري؟ فذهب الشافعي في أصح قوليه، إلى أنه لا يجب وضع الجوائح بل يستحب، وله قول قديم أنه يجب، وقال مالك إن كان الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت في ضمان البائع، وإن كان دون الثلث لم يجب. (3)
2084 -
قال: كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، فيبيعونه في مكانهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه.
قلت: رواه الشيخان هنا وروى الأربعة إلا الترمذي نحوه، كلهم هنا من حديث ابن عمر. (4)
(1) المنهاج للنووي (10/ 310 - 312).
(2)
أخرجه مسلم (1554)، وأبو داود (3470)، والنسائيُّ (7/ 264)، وابن ماجه (2219).
(3)
انظر المنهاج للنووي (10/ 310).
(4)
أخرجه البخاري (2167)، ومسلم (1527)، وأبو داود (3493)، والنسائيُّ (7/ 287)، وابن ماجه (2229).
2085 -
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ابتاع طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه".
- ويروى: "حتى يكتاله".
قلت: الحديث رواه الشيخان هنا من حديث ابن عمر، والرواية رواها مسلم من حديث ابن عباس وليست في البخاري. (1)
2086 -
قال ابن عباس: أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض، ولا أحسب كل شيء إلا مثله.
قلت: رواه الشيخان هنا من حديث ابن عباس. (2)
وفي هذه الأحاديث النهي عن بيع الطعام حتى يقبضه البائع، واختلف العلماء فقال الشافعي لا يصح بيع المبيع قبل قبضه، سواء كان طعامًا أو عقارًا أو منقولًا أو غير ذلك، وقال الإمام أبو حنيفة: لا يجوز في كل شيء إلا العقار، وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه.
2087 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تلقّوا الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر".
قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (3)
وتلقي الركبان: هو أن يتلقى القافلة ويخبرهم بكساد ما معهم ليشتريه، فإن قدموا وبأن لهم الغبن كان لهم الخيار، وإن لم يبن الغبن فلا خيار، وليس التلقي شرطًا ولا الإخبار بكساد ما معهم عندنا والله أعلم.
(1) أخرجه البخاري (2126)، ومسلم (1526). ورواية ابن عباس في مسلم (1525).
(2)
أخرجه البخاري (2135)، ومسلم (1525).
(3)
أخرجه البخاري (2150)، ومسلم (1515).
والبيع على البيع: هو أن يقول لمن اشترى شيئًا بشرط الخيار: افسخ البيع فإني أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن، والنجش: هو أن يزيد في الثمن ليغر غيره فيشتريه. وبيع الحاضر للبادي: هو أن يقدم رجل ومعه سلعة يريد بيعها، ويحتاج إليها في البلد، فيجئ إليه رجل فيقول له لا تبع حتى أبيع لك قليلًا قليلًا وأزيد في ثمنها، قوله صلى الله عليه وسلم: لا تُصروا الإبل، هو بضم التاء ثالثة الحروف وفتح الصاد المهملة. ونصب الإبل، من التصرية وهي الجمع، يقال صرى يصرى تصرية كزكى يزكى تزكية (1).
قال في المشارق (2): ورويناه في غير صحيح مسلم عن بعضهم: لا تصر بفتح التاء وضم الصاد من الصر والأول هو الصواب، ومعناه لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة.
2088 -
ويروى: "من اشترى شاة مصرّاة، فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها، ردّ معها صاعًا من طعام لا سمراء".
قلت: رواه مسلم هنا من حديث أبي هريرة. (3)
والصحيح أن التقدير بالثلاث ورد على الغالب، لأنَّ الغالب أنه لا يقف عليها قبل الثلاث، فإن أخر بعد العلم بالتصرية بطل حقه، ومنهم من حمله على ظاهره وجعل الخيار مستمرًا إلى ثلاثة أيام.
والسمراء: بالمد، الحنطة وأخذ الشافعي بظاهره فقال: يتعين التمر وإن زادت قيمته على قيمة الشاة. (4)
(1) انظر المنهاج للنووي (10/ 223 - 226).
(2)
مشارق الأنوار (2/ 42 - 43)، ولم أجد فيه هذه العبارة، بل وجدتها في إكمال المعلم للقاضي (5/ 142)، وفيه كلام مفيد جدًّا من (142 - 148) عن "المصراة".
(3)
أخرجه مسلم (1524).
(4)
انظر المنهاج للنووي (10/ 233 - 237)، وإكمال المعلم (5/ 142 - 148).
2089 -
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار".
قلت: رواه الجماعة إلا البخاري كلهم هنا من حديث أبي هريرة. (1)
وظاهر هذا الحديث يقتضي تحريم تلقي الجلب، وبه قال الشافعي ومالك، وحمله الإمام أبو حنيفة والأوزاعي على ما إذا أضر بالناس، فإن لم يضرهم جاز، وشرط التحريم عندنا أن يعلم النهي عن التلقي، وليس قصد التلقي شرطًا بل لو خرج لشغل فاشترى فالأصح التحريم.
2090 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا السلع، حتى يهبط بها إلى السوق".
قلت: رواه الشيخان هنا وكذلك أبو داود بزيادة (2) في أوله، وهي: لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تتلقوا السلع
…
الحديث، والنسائيُّ (3) وقال: الجلب عوض السلع.
2091 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب".
قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ هنا من حديث ابن عمر. (4)
2092 -
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يسم الرجل على سوم أخيه المسلم".
قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (5)
(1) أخرجه مسلم (1519)، وأبو داود (3437)، والترمذي (1221)، والنسائيُّ (7/ 257)، وابن ماجه (2178).
(2)
أخرجه البخاري (2165)، ومسلم (1517)، وأبو داود (3436).
(3)
النسائيُّ (7/ 257).
(4)
أخرجه مسلم (1412)، وأبو داود (2081)، والنسائيُّ (6/ 71).
(5)
أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1515).
والسوم على السوم: هو أن يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع، ولم يعقداه فيقول آخر للبائع: أنا أشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السومة في السلعة التي تباع ممن يزيد، فليس بحرام، وأجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه، والشراء على شرائه، والسوم على سومه، والخطبة على خطبته، فإن خالف فقد عصى، وهل ينعقد؟: ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى انعقاده، وداود إلى عدم انعقاده، وعن مالك روايتان كالمذهبين.
2093 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".
قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائيُّ هنا من حديث جابر ولم يخرج البخاري عن جابر في هذا شيئًا ولا ذكر هذه الزيادة: دعوا الناس
…
إلى آخره. (1)
2094 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين: "نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه، ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر ولا تراض، واللبستين: اشتمال الصماء، والصماء: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، واللبسة الأخرى: احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء".
قلت: رواه الشيخان واللفظ للبخاري وهو أتم، وأبو داود والنسائيُّ بنحوه كلهم هنا من حديث أبي سعيد. (2)
والمنابذة: هو بالذال المعجمة من نبذ الشيء إذا طرحه.
(1) أخرجه مسلم (1522)، والترمذي (1223)، وأبو داود (3442)، والنسائيُّ (7/ 256).
(2)
أخرجه البخاري (5820)، و (2144)، ومسلم (1512)، وأبو داود (3379)، والنسائيُّ (7/ 260).
قوله: في البيع، متعلق بالملامسة والمنابذة، وللفقهاء في تفسير الملامسة ثلاثة أقوال: أحدها: أن يلمس ثوبًا مطويا ثمَّ يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه، والثاني: أن يقول إذا لمسته فقد بعتك، وهذان القولان مأخوذان من هذا الحديث على اختلاف الروايتين، فرواية: لا يقلبه، بتقديم اللام على الباء الموحدة، شاهده للقول الأول، ورواية: لا يقبله، بتقديم الباء على اللام شاهده للقول الثاني، وأما القول الثالث: فهو أن يبيعه شيئًا على أنَّه متى لمسه وجب البيع، واختار الشافعي وجمهور أصحابه التفسير الأول، والبيع باطل على التأويلات الثلاثة.
أما المنابذة: فللفقهاء في تفسيرها أيضًا ثلاثة أقوال، أحدها: أن يجعل النبذ بيعًا قائمًا مقام الصيغة قاله الشافعي، الثاني: أن يقول: إذا نبذت الثوب فقد وجب البيع، والثالث: أن المراد نبذ الحصى، وسيأتي، وعلى التأويلات هو باطل أيضًا.
وأما اشتمال الصماء: بالمد، فقد فسرها الفقهاء بالمذكور في هذا الحديث، وقال الأصمعي وأكثر أهل اللغة: أن يشتمل بثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما يخرج منه يده، فعلى تفسير أهل اللغة يكره بالاحتمال أن تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها، أو غير ذلك فيعسر عليه، أو يتعذر، فيلحقه الضرر، وعلى التفسير الواقع في الحديث يحرم.
وأما الاحتباء: بالمد، فهو أن يقعد الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه، أو بيده، وهذه القعدة يقال لها: الحبوة بضم الحاء وكسرها وكان هذا الاحتباء عادة العرب في مجالسهم، فإن انكشف معه شيء من العورة فهو حرام.
2095 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر".
قلت: رواه مسلم وأبو داود والترمذي كلهم من حديث أبي هريرة. (1)
(1) أخرجه مسلم (1513)، وأبو داود (3376)، والترمذي (1230).
أما بيع الحصاة: ففيه تأويلات: أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقع عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة، والثاني: أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي هذه الحصاة، والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا.
وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيع وتدخل فيه مسائل كثيرة كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وبيع السمك في الماء، واللبن في الضرع، وغير ذلك من أشياء غير محصورة.
2096 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية: كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثمَّ تنتج التي في بطنها.
قلت: رواه مالك والشيخان وأبو داود والنسائيُّ كلهم هنا من حديث ابن عمر (1)، واللفظ للبخاري، وهذا التفسير المذكور في الحديث هو تفسير ابن عمر وبه أخذ الشافعي، وقيل هو البيع بثمن إلى نتاج النتاج.
والحبل: بفتح الباء وغلط من سكنها وهو مختص بالآدميات إلا ما جاء في هذا الحديث.
2097 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عَسْب الفحل.
قلت: رواه البخاري في كتاب الإجارات وأبو داود والترمذي والنسائيُّ ثلاثتهم هنا من حديث ابن عمر بن الخطّاب. (2)
(1) أخرجه البخاري (2143)، ومسلم (1514)، ومالك (2/ 653 - 654)، وأبو داود (3380)، والنسائيُّ (7/ 293).
(2)
أخرجه البخاري (2284)، وأبو داود (3429)، والترمذي (1273)، والنسائي (7/ 310).
وعَسْب الفحل: بفتح العين وسكون السين المهملتين، وهو ضرابه على المشهور ويقال: ماؤه، وعلى هذين القولين يكون التقدير: بدل عسب الفحل، ويقال: أجرة ضرابه، وعلى هذا لا تقدير لكن هذا مردود من جهة اللغة.
2098 -
قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لِتُحْرَثَ.
قلت: رواه مسلم والنسائيُّ كلاهما هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (1)
2099 -
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء.
قلت: رواه مسلم والنسائيُّ هنا من حديث جابر ولم يخرجه البخاري أيضًا. (2)
قال ابن الأثير (3): هو أن يسقي الرجل أرضه ثمَّ تبقى بقية لا يحتاج إليها، فلا يجوز له أن يبيعها ولا يمنع منها أحدًا ينتفع بها، هذا إذا لم يكن الماء ملكه أو على قول من يرى أن الماء لا يملك.
2100 -
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ".
قلت: رواه الشيخان هنا من حديث أبي هريرة. (4)
قال في النهاية (5): معناه أن البئر يكون في البادية وقد يكون قريبًا منها كلأ، فإذا ورد عليها وارد فغلب على مائها، ومنع من يأتي بعده من الاستقاء منها، فهو بمنعه الماء مانع من الكلأ.
(1) أخرجه مسلم (1565)، والنسائيُّ (7/ 306).
(2)
أخرجه مسلم (1565)، والنسائيُّ (7/ 370).
(3)
النهاية لابن الأثير (3/ 455).
(4)
أخرجه مسلم (2353)، ومسلم (1566).
(5)
النهاية (4/ 194).