الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1850 -
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهلّ بهؤلاء الكلمات يعني التلبية.
قلت: رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر، وروى البخاري معناه من حديث ابن عمر أيضًا مختصرًا أن ابن عمر كان يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي فيه ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. (1)
1851 -
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله رضوانه والجنة، واستعفاه برحمته من النار.
قلت: رواه الشافعي من حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنده إبراهيم بن أبي يحيى. (2)
قصة حجة الوداع
من الصحاح
1852 -
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذّن في الناس بالحج في العاشرة، فقدم المدينة بشر كثير، فخرجنا معه، حتى إذا أتينا ذا الحليفة، ولَدَتْ أسماءُ بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع؟ قال: "اغتسلي واستثفِري بثوب وأحرمي، فصلى -يعني- رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، أهلّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا
= المتابعة. إن شاء الله.
(1)
أخرجه أحمد (2/ 34)، والبخاري (1553)(1554)، ومسلم (1184).
(2)
أخرجه الشافعي في الأم (2/ 157). وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، قال الحافظ في التقريب: متروك (ت 241)، فهو إسناد ضعيف جدًّا.
شريك لك" قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن وطاف سبعًا: رمل ثلاثًا ومشى أربعًا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فصلى ركعتين، جعل المقام بينه وبين البيت.
- ويروى: أنه قرأ في الركعتين: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ:" {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، أبدأ بما بدأ الله به"، فبدأ بالصفا فرقِيَ عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد الله وكبره، وقال:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، وقال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل فمشى إلى المروة، حتى انصَبّت قدماه في بطن الوادي سَعَى، حتى إذا صعدت قدماه مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، نادى -وهو على المروة، والناس تحته- فقال:"لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة"، فقام سراقة بن جعشم، فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه، وقال:"دخلت العمرة في الحج -مرتين-، لا، بل لأبدٍ أبدٍ"، وقدِم عَليُّ من اليمن ببُدْن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ماذا قلت حين فَرَضْت الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك صلى الله عليه وسلم قال: فإن معي الهدي فقال: "فأهْد وامكثْ حرامًا فلا تحل"، قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به عَليّ من اليمن، والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم: مائة، قال: فحلّ الناس كلهم وقصّروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بها الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بِقُبّة من شَعَر تضرب له
بنمرة فسار فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرُحِلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال:"إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قَدَمَيّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا: دم ابن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعًا في بني سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربًا أضع من ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسلون عني، فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت، فقال: -بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس- "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا، ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وأردف أسامة خلفه، ودفع حتى أتى المزدلفة. فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسَبّح بينهما شيئًا، ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فحمد الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس حتى أتى بطن محسّر، فحرك قليلًا، ثم سلك طريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، فرمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بيده، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غَبَرَ، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل
بَدَنة ببضعة فجعلت في قِدر، فطبخت، فأكلا من لحمها، وشربا من مرقها، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال:"انزعوا بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم" فناولوه دلوًا فشرب منه.
قلت: رواه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه أربعتهم فيه من حديث جابر ولم يخرجه البخاري. (1)
وقول المصنف في أثناء الحديث: ويروى أنه قرأ في الركعتين {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إنما عبّر بذلك وإن كانت ثابتة في مسلم لقول الراوي لا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: ثم أذن في الناس في العاشرة، الأصح في الرواية فيه الفتح على إسناد الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أعلم هو بذلك للحج معه، وليتعلموا المناسك والأذان الإعلام، يقال: أذن يؤذن إيذانًا، وأذن يؤذن تأذينًا والإعلام بوقت الصلاة مشدد لا غير، وكان حجه صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، وأما وقت فرضه فالصحيح أنه فرض في السنة السادسة، وقيل في الخامسة وقيل في التاسعة، وقيل قبل الهجرة، وهو أغربها.
واستثفري: بسين مهملة وتاء مثناة من فوق مفتوحة وثاء مثلثة ساكنة ثم الفاء وبعدها راء مهملة، والاستثفار: هو أن يشد في وسطها شيئًا، ويأخذ خرقة عريضة يجعلها على محل الدم، ويشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها. وهو شبيه بثغر الدابة بفتح الفاء.
والقصواء: بفتح القاف وبالمدّ قال ابن الأعرابي هي التي قطع طرف أذنها.
(1) أخرجه مسلم (1218)، وأبو داود (1905، 1907، 1909)، والنسائي (1/ 122)(2/ 15)، وابن ماجه (3074).
والبيداء: قال في النهاية (1) هي المفازة التي لا شيء بها، وهي ههنا اسم موضع بين مكة والمدينة.
قوله: أهل بالتوحيد، يعني مخالفا للمشركين في قولهم، لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك.
قوله: لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة، فيه دليل لترجيح قول من ذهب إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردًا وأنه أفضل.
والرمل: هو إسراع المشي مع تقارب الخطى، وهو الخبب، والصحيح عندنا أنه لا يستحب الرمل إلا في طواف يعقبه سعي، قوله: وهزم الأحزاب وحده، الأحزاب: الطوائف، والمراد بهم: الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق.
وانصبت قدماه: يعني انحدرت في المسعى، قوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة أي لو عن لي هذا الرائي الذي رأيته وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي، وإنما قال هذا من أجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص بهم في تلك السنة لمخالفة الجاهلية، ولم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التمتع، إنما أراد فسخ الحج إلى العمرة كما بيناه، وقال هذا القول لتطييب قلوب أصحابه، لأنه كان يشق عليهم التحلل وهو محرم، فقال ذلك لهم لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم قبول ما دعاهم إليه، وأنه لولا الهدي لفعله.
قوله: فقام سراقة بن جعشم، أما سراقة: فبضم السين المهملة وبالراء المهملة أيضًا وبالقاف المفتوحة.
وأما جعشم: فبضم الجيم والشين المعجمة المضمومة وفتحها، ذكرهما الجوهري.
والأبد: هو الدهر، أي هي لآخر الدهر، قوله: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، قيل معناه: جاز فعلها في أشهر الحج، ونبه بقوله إلى يوم القيامة على أنه لا
(1) النهاية (1/ 171).
ينسخ، وهذا رد لما كانوا يعتقدونه في الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وقيل معناه أن عملها دخل في عمل الحج، فليس على القارن أكثر من عمل الحج، وقيل: دخلت في حكمه فتجب مرة في العمر، قوله: بل لأبد أبد، ويروى لأبد الأبد أي آخر الدهر، قوله: وقصروا، فيه دليل على استحباب التقصير للمتمتع، توفيرًا للشعر للحلق في الحج، قوله: فلما كان يوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء أي يسقون ويستقون، وقيل غير ذلك، وسميت منى لكثرة ما تمنى فيها من الدماء أي يصب ويهراق، وهو بكسر الميم مقصور، قال الجوهري: وهو مذكر يصرف، ونمرة: بفتح النون وكسر الميم هذا أصلها، ويجوز فيها إسكان الميم مع فتح النون وهي موضع جنب عرفات، وليست بعرفات.
قوله: فرحلت: هو بتخفيف الحاء المهملة أي جعل عليها الرحل، قوله: فأتى بطن الوادي، وهو وادي عرنة بضم العين وفتح الراء وبعدها نون، وليست عرنة من أرض عرفات عند الشافعي والعلماء كافة، إلا مالكًا فقال: هي من عرفات. قوله: فخطب الناس، ذهبت الشافعية إلى أن في الحج أربع خطب مسنونة: إحداها: يوم السابع من ذي الحجة، عند الكعبة بعد صلاة الظهر، الثانية: هي التي بنمرة يوم عرفة، الثالثة: يوم النحر، الرابعة: يوم النفر، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، قالوا: وكل هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات، فإنها خطبتان، وقبل الصلاة.
قوله: دم ابن ربيعة، قيل اسمه: إياس بن ربيعة، وقيل غير ذلك، وكان صبيًّا يحبو أمام البيوت فأصابه حجر في حرب كانت بين بني سعد، وبني ليث بن بكر، ورواه بعض رواة مسلم: دم ربيعة، وكذلك رواه أبو داود وهو وهم وإنما هو دم ابن ربيعة.
قوله: بكلمة الله، قيل هي قوله تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وقيل: بإباحة الله المنزلة في كتابه من التزويج وإذنه فيه، وهو قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وهذا هو الصحيح، وبالأول أجاب الخطابي وغيره.
قوله: غير مبرح، أي غير مؤثر، ولا شاق يعني ضربًا لا يظهر تأثيره، قوله: ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، معناه: أن لا يأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليهن فيتحدث إليهن على عادة العرب لا يرون بذلك بأسًا، ولا يعدونه ريبة، ولو كان المراد بوطىء الفرش الزنا لما قيد بالكراهة، لأنه محرم على كل وجه، ولكان الضرب فيه مبرحًا شديدًا وهو الرجم.
قوله: وينكتها إلى الناس، قال عياض (1): هكذا الرواية، وفي مسلم بالباء ثالثة الحروف، وصوابه: بالباء الموحدة أي يميلها إليهم، ليشهد الله عز وجل عليهم، يقال: نكب الرجل كنانته: إذا كبها وقلبها، وقد روي في سنن أبي داود بالوجهين، ومعناه: يرددها ويقلبها إلى الناس مشيرًا إليهم.
قوله: وجعل حبل المشاة بين يديه، روي بالحاء المهملة، وهو المشهور أي ضمهم ومجتمعهم في مشيهم، فكأنه عبر بجبل المشاة عن المشاة أنفسهم، وقيل: حيث تسلك الرجالة أي طريقهم، وهو أشبه، وقد ضبطه بعضهم بالجيم، وصححه أبو عمر وبن الصلاح وذكره كذلك في منسكه، قال ابن حزم: وهناك سقط الرجل المحرم وأمر صلى الله عليه وسلم أن يكفن في ثوبيه، ولا يمس بطيب، وكان واقفًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجيج، والمشعر الحرام: بفتح الميم، وأكثر كلام الرب بكسرها، وقيل: ولم يقرأ بها أحد، وقيل: قرأ بها في الشاذ ومحسر: بضم الميم وفتح الحاء المهملة، وتشديد السين المهملة وكسرها، واد بين المزدلفة ومنى، وجاء في الحديث: مزدلفة كلها موقف، إلا بطن محسر، وسمي بذلك لأنه يحسر سالكيه أي تتعبهم، قال الشافعي: وتحريكه الراحلة فيه يجوز أن يكون فعل ذلك لسعة الموضع وهذا دأب السائر أبدًا إذا خرج من مضيق إلى متسع ولو لم يقصده فعليه الراحلة، وقيل يجوز أن يكون فعله لأنه مأوى الشياطين، وقيل: لأنه كان موقفًا للنصارى، فاستحب صلى الله عليه وسلم الإسراع فيه، وأهل مكة يسمون هذا الوادي وادي
(1) إكمال المعلم (4/ 277 - 278).
النار، لأنه اصطاد فيه رجل فنزلت نار من السماء فأحرقته، والخذف بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين، قال الشافعي: حصى الخذف أصغر من الأنملة طولًا وعرضًا، قال الهروي (1): الخذف، هو رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها، قال أصحابنا: السنة في الرمي أن تضع حصاة قدر الباقلاء على بطن إبهامه وترميها برأس السبابة، فإن رمى بأصغر أو أكبر كره، وأجزأه، قوله: فنحر ثلاثًا وستين بيده، قال ابن حبان (2): لعله صلى الله عليه وسلم في نحره ثلاثًا وستين بيده إشارة إلى منتهى عمره، وكان له في ذلك اليوم ثلاث وستون سنة، فنحر بيده لكل سنة من سنينه بدنة.
وما غبر: هو بالغين المعجمة وبالباء الموحدة المفتوحتين وبالراء المهملة، أي ما بقي، والبدنة: الناقة، تهدى إلى مكة، سميت بدنة لعظم بدنها، ولا يسمى في الغالب بذلك إلا الإبل، وقد يطلق على البقر، وفي الغنم خلاف، وببضعة بفتح الباء لا غير، وهي القطعة من اللحم، والإفاضة: الدفع في السير، وقيل: لا يكون إلا عن تفرق وجمع، قوله: فصلى بمكة الظهر، وقد ذكر مسلم في أحاديث طواف الإفاضة من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، وصلى الظهر بمنى، ووجه الجمع بينهما: أنه صلى الله عليه وسلم صلى ذلك اليوم الظهر مرتين، مرة بمكة في أول الوقت، وأخرى بمنى حين سأله أصحابه ذلك.
قوله: انزعوا، معناه: استقوا بالدلاء، وزمزم: هي البئر المشهورة في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة ثمان وثلاثون ذراعًا. (3)
1853 -
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج ثم قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منَ أهل بعمرة ولم يُهد، فليَحْلل، ومن
(1) انظر: الغريبين (2/ 189).
(2)
انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (9/ 252).
(3)
انظر: المنهاج للنووي (7/ 236 - 266)، وإكمال المعلم (4/ 265 - 288).
أحرم بعمرة وأهدى، فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما -وفي رواية: فلا يحل، حتى يحل بنحر هديه- ومن أهل بحج، فليتم حجه" قالت: فحِضْت، ولم أطَفْ بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فلم أزل حائضًا، حتى كان يوم عرفة، ولم أُهْلِلْ إلا بعمرة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنقض رأسي وأمتشط، وأُهِلّ بالحج، وأترك العمرة، ففعلت، حتى قضيت حجي، فبعث معي عبد الرحمن ابن أبي بكر، وأمرني أن أعتمر -مكان عمرتي- من التنعيم، قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافًا بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافًا واحدًا.
قلت: رواه الشيخان فيه من حديث عروة عن عائشة. (1)
1854 -
تمتّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ فأهلّ بالعمرة، ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى، ومنهم من لم يهد فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: "من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرُم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فطاف حين قدم مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خبّ ثلاثة أطواف، ومشى أربعًا، فركع -حين قضى طوافه بالبيت عند المقام- ركعتين ثم سلّم، فانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحل من شيء حَرُمَ منه، حتى قضى حجّه، ونحر هديه يوم النحر، وأفاض، فطاف بالبيت، ثم حلّ من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساق الهدي من الناس.
(1) أخرجه البخاري (3199)، ومسلم (1211).