الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1595 -
وروي أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطّع قراءته يقول: {الحمد لله رب العالمين} ثمَّ يقف، ثمَّ يقول:{الرحمن الرحيم} ثمَّ يقف، "والأول أصح".
قلت: رواه الترمذي في القرآن بهذا اللفظ، وأبو داود في الحروف كلاهما من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة ولفظ أبي داود: "أنها ذكرت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم {بسم الله الرحمن الرحيم} الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين} يقطع قراءته آية آية، وقال الترمذي: حديث غريب وليس إسناده بمتصل، لأنَّ الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة، وحديث الليث أصح. (1)
فصل
من الصحاح
1596 -
سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هكذا أنزلت" ثمَّ قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال لي:"هكذا أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه".
(1) أخرجه أبو داود (1466)، والترمذي (2923)، والنسائيُّ (2/ 181) وإسناده ضعيف. فقد اختلف فيه على ابن أبي مليكة، وأما قول الترمذي في رواية الليث فإنها أصح فلكونها متصلة.
وكذلك صححه الحاكم (2/ 231 - 232)، وابن خزيمة (1158)، والدارقطني (1/ 312 - 313)، وبه قال النوويّ في المجموع (3/ 333).
ولكن تبقى في الإسناد علة وهي جهالة يعلى بن مملك فقد تفرد بالرواية عنه عبد الله بن أبي مليكة ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبَّان، وقال الحافظ: مقبول "التقريب"(7904).
قلت: رواه الجماعة: إلا ابن ماجه البخاري في فضائل القرآن وفي التوحيد وفي الأشخاص ومسلم وأبو داود والنسائيُّ ثلاثتهم في الصلاة والترمذي في القراءة كلهم من حديث المسور عن عمر بن الخطّاب. (1)
وقد جاء في حديث أبيّ الآتي أن سبب إنزاله على سبعة أحرف سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يهون على أمته، قال النوويّ (2): واختلف العلماء في المراد بسبعة أحرف: فقيل: هو توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر، ونقل عن الأكثرين أنه حصر للعدد في سبعة، ثمَّ قيل هي سبعة في المعاني، كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنهي، وقال آخرون: هي في صورة التلاوة وكيفية النطق بكلماتها، من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق، وإمالة ومد، لأنَّ العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه، فيسر الله تعالى عليهم ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه، وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف، ثمَّ اختلف هؤلاء: فقيل: سبع قراءات، وقال أبو عبيد (3): سبع لغات للعرب، يمنها ومعدها وهي أفصح اللغات وأعلاها، وقيل: بل السبعة كلها لمضر وحدها، وهي سبعة متفرقة في القرآن غير مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: بل هي مجتمعة في كلمة واحدة، وقيل: هي مجتمعة في بعض الكلمات، كقوله تعالى:{وعبد الطاغوت} (4) و {يرتع ويلعب} (5) و {باعد بين أسفارنا} . (6)
(1) أخرجه البخاري في الخصومات (2419)، وفي فضائل القرآن (4992)(7550)، وفي التوحيد (7550)، ومسلم (818)، والنسائيُّ (2/ 150)، وأبو داود (1475)، والترمذي (2943).
(2)
المنهاج للنووي (6/ 99).
(3)
في غريب الحديث (3/ 159).
(4)
المائدة: (60).
(5)
يوسف: (12).
(6)
سبأ: (19).
قال القاضي الباقلاني: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة اشتهرت، واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأمة، وأثبتها عثمان والجماعة في المصحف وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا عنها ما لم يثبت متواترًا، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، وألفاظها أخرى، وليست متضادة ولا متنافية، وذكر الطحاوي أن القراءة بالأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة لاختلاف لغة العرب، ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة، فلما كثر الناس والكتاب وارتفعت الضرورة عادت إلى قراءة واحدة.
قال الداوودي: وهذه القراءات السبع التي يقرأ الناس اليوم بها ليس كل حرف منها هو أحد تلك السبعة بل قد تكون مفرقة فيها.
وقال النحاس (1): هذه القراءات السبع إنما شرعت من حرف واحد من السبعة المذكورة في الحديث، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف، وقال آخرون: لا يمكن القراءة بالسبعة المذكورة في الحديث في الختمة الواحدة، ولا يدرى إن أي هذه القراءات كان آخر العرض على النبي صلى الله عليه وسلم. (2)
1597 -
سمعت رجلًا قرأ آية، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، فقال:"كلاكما محسن فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا".
قلت: رواه البخاري والنسائيُّ كلاهما في فضائل القرآن وفي غيره من حديث النزال بن سبرة عن ابن مسعود. (3)
(1) هو أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن أسيد بن أبي صفرة سمع من الأصلي وكان من كبار أصحابه وتوفي بالقيروان (ترتيب المدارك 8/ 36).
(2)
انظر: الفتاوى الكبرى (13/ 390)، والمنتقى (1/ 347)، وتفسير الطبري (1/ 57)، والتمهيد (8/ 291)، ومشكل الآثار (4/ 191).
(3)
أخرجه البخاري (2410)(3476)، والنسائيُّ (8095).
1598 -
كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثمَّ دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ثمَّ دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسّن شأنهما، فسُقط في نفسي من التكذيب -ولا إذ كنت في الجاهلية- فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقًا، وكأنما أنظر إلى الله فرقًا، فقال لي:"يا أبيّ: أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إليّ الثانية: اقرأهُ على حرف فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فرد إلي الثالثة: اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: "اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخّرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم، حتى إبراهيم عليه السلام".
قلت: رواه مسلم وأبو داود والنسائيُّ كلهم في الصلاة من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب. ولم يخرجه البخاري. (1) قوله: "فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذا كنت في الجاهلية" قال بعضهم: معناه وسوس إلى الشيطان تكذيب النبوة أشد ما كنت في الجاهلية؛ لأنه كان في الجاهلية عاقلًا أو شاكًّا، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب، قال القاضي عياض:(2) معنى قوله: سقط في نفسي أنَّه اعترته حيرة ودهشة، قال: قوله: ولا إذ كنت في الجاهلية، إن الشيطان نزغ في صدري تكذيبًا لم يعتقده، وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها لم يؤاخذ بها، قال المازري (3): معنى هذا أنَّه وقع في نفس أبي بن كعب نزعة من الشيطان غير مستقرة، ثمَّ زالت في الحال حين ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره، ففاض عرقًا.
(1) أخرجه مسلم (820)، وأبو داود (1477)، والنسائيُّ (2/ 154).
(2)
إكمال المعلم (3/ 193).
(3)
المعلم بفوائد مسلم للمازري (1/ 309).