الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: تمييز العبادات بعضها عن بعض:
كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز صيام رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز: غسل الجنابة من غسل التبرد والتنظف، ونحو ذلك، وهذه النية التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم (1).
والركن الأول للصيام، لابد فيه من هذين النوعين: الإخلاص لله تعالى في هذه العبادة العظيمة، وتمييز الصيام بالإرادة والقصد للفرض أو التطوع، ولا بد أن تكون النية في فرض الصيام من الليل؛ لحديث حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ لم يُجْمِعِ (2) الصيامَ قبل الفجر فلا صيام له))، وهذا لفظ أبي داود، والترمذي، وعند النسائي:((من لم يُبيِّتِ (3) الصيام قبل الفجر فلا صيام له))، وفي لفظ له:((من لم يُجْمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم))، وفي لفظ له أيضاً:((من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له))، ولفظ ابن ماجه:((لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)) (4).
(1) انظر: جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 1/ 65 - 66.
(2)
يُجمع الصيام: الإجماع العزمُ والنية. [جامع الأصول، لابن الأثير، 6/ 385].
(3)
يبيِّت النية: التبيبت: أن ينوي الصيام من الليل. [جامع الأصول، 6/ 385].
(4)
أبو داود، كتاب الصوم، باب النية في الصيام، برقم 2454، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل، برقم 730، والنسائي، كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، برقم 2332، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم، برقم 1700،وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 82.
وعن عائشة وحفصة رضي الله عنهما زوجي النبي صلى الله عليه وسلم موقوفاً عليهما، قالتا:((لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر)) (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما موقوفاً عليه، قال:((إذا لم يُجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصُمْ))، وفي لفظ:((لا يصوم إلا من أجمع الصيام من الليل)) (2)؛ ولهذه الأحاديث لابد على الصحيح من تبييت النية في صوم أيام رمضان فينوي ويجزم في أول ليلة من ليالي رمضان: أن يصوم رمضان كله، ثم ينوي كل ليلة أن يصوم غداً، وكذلك صيام الفرض من قضاء رمضان، والنذر والكفارات لا بد من أن ينوي الصيام ويبيّته ليلاً، كل ليلة (3)(4)، وهذا هو الموافق لظاهر حديث حفصة،
(1) النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، برقم 2340، ومو طأ الإمام مالك، كتاب الصيام، باب من أجمع الصيام قبل الفجر، 1/ 288، وصححه الألباني موقوفاً، في صحيح سنن النسائي، 2/ 150.
(2)
النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك، برقم 2341، ورقم 2342، وموطأ الإمام مالك، كتاب الصيام، باب من أجمع الصيام قبل الفجر، 1/ 288، وصححه الألباني موقوفاً، في صحيح سنن النسائي، 2/ 150.
(3)
انظر: المغني لابن قدامة،4/ 337،والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 395، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 244 - 246، ومجموع فتاوى ابن باز، 15/ 251 - 252.
(4)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في وقت نية الفرض في رمضان والصوم الواجب على النحو الآتي:
القول الأول: لايجزئ صيام فرض حتى ينويه بقلبه في أي وقت من الليل، فلا بد في صيام رمضان، والكفارات، والنذر، وكل صوم واجب: أن ينوي من كل ليلة ولو من أولها بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وبهذا قال الإمام أحمد، ومالك والشافعي؛ لحديث حفصة، وعائشة، وابن عمر رضي الله عنهم المذكور آنفاً.
القول الثاني: يجزئ صيام رمضان وكل صوم واجب بنية من النهار، وبهذا قال الإمام أبو حنيفة؛ لحديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائماً فليصم))، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللُّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار))، وفي رواية مسلم: ((فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّم صبياننا الصغار منهم، إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم
…
))، وفي لفظ:((ونضع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتمُّوا صومهم/ح)). [البخاري، برقم 1960، ومسلم، برقم 1136]؛ ولحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذن في الناس: ((من كان لم يصم فليصم، ومن كان أكل فليتم صيامه إلى الليل)). [مسلم، برقم 1135]؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها نهاراً فسألها عن طعام، فلم يجد فقال:((إني إذاً صائم)). [وسيأتي تخريجه إن شاء الله قريباً].
وحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم (1).
(1) وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن العلماء اختلفوا في تبييت النية على ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: قول أبي حنيفة وطائفة معه، قال: يجزي كل صوم فرضاً كان أو نفلاً بنية قبل
الزوال؛ لحديث صيام يوم عاشوراء، وحديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها.
الثاني: قول مالك وطائفة معه، قالوا: لا يجزئ الصوم إلا مبيّتاً من الليل فرضاً كان أو نفلاً على ظاهر حديث حفصة، وابن عمر المتقدم آنفاً.
القول الثالث: قول أحمد والشافعي، وطائفة معهما، قالوا: لا يجزئ الفرض إلا بتبييت النية، كما دل عليه حديث حفصة وابن عمر؛ لأن جميع الزمان يجب فيه الصوم والنية لا تعطف على الماضي، وأما النفل فيجزئ، بنية من النهار كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:((إني إذن صائم))، كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان - كالقيام، والاستقرار على الأرض - ما لايجب في التطوع، توسيعاً من الله على عباده في طرق التطوع؛ فإن أنواع التطوعات دائماً أوسع من أنواع المفروضات، وصومهم يوم عاشوراء: إن كان واجباً فإنما وجب عليهم من النهار؛ لأنهم لم يعلموا قبل ذلك، وما رواه بعض الخلافيين المتأخرين أن ذلك كان في رمضان: فباطل لا أصل له. قال شيخ الإسلام: ((وهذا أوسط الأقوال وهو قول: الشافعي وأحمد، واختلف قولهما: هل يجزئ التطوع بنية بعد الزوال؟ والأظهر صحته كما نقل عن الصحابة. واختلف أصحابهما في الثواب هل هو ثواب يوم كامل؟ أو من حين نواه، والمنصوص عن أحمد: أن الثواب من حين النية.
وكذلك اختلفوا في التعيين، وفيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدهما: أنه لا بد من نية رمضان فلا تجزئ نية مطلقة، ولا معينة لغير رمضان، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، اختارها كثير من أصحابه.
والثاني: أنه يجزئ بنية مطلقة ومعينة لغيره، كمذهب أبي حنيفة ورواية محكية عن أحمد.
والثالث: أنه يجزئ بالنية المطلقة دون نية التطوع، أو القضاء، أو النذر، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه)). [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 119 - 121، وانظر: كتاب الصيام من شرح عمدة الأحكام، لابن تيمية أيضاً، 1/ 175 - 206، والمغني لابن قدامة، 4/ 338 - 339، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 390 - 391].
ومعنى: ((تعيين النية)) أي ينوي الصيام: عن رمضان، أو عن كفارة أو عن نذر
…
)). الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 367.
وهل يحتاج إلى نيّة الفرضية في رمضان، والكفارات، والنذر؟ قال ابن قدامة في المقنع مع الشرح والإنصاف، 7/ 398:((ولا يحتاج إلى نية الفرضية، وقال ابن حامد: يجب ذلك)).وقال المرداوي في الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير،7/ 398:((لا يحتاج مع التعيين إلى نية الوجوب على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقال ابن حامد: يحتاج إلى ذلك)).
قال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع، 6/ 370: ((لاتجب نية الفرضية، يعني لا يجب أن ينوي أنه يصوم فرضاً؛ لأن التعيين يغني عن ذلك، فإذا نوى صيام رمضان فمعلوم أن صيام رمضان فرض، وإذا نوى صيام كفارة قتل أو يمين فمعلوم أنه فرض، كما قلنا في الصلاة إذا نوى أن يصلي لا يحتاج أن ينوي أنها فريضة؛ لأنه معروف أن الظهر فريضة، وعلى هذا فنية الفريضة ليست شرطاً
…
ولكن الأفضل أن ينوي القيام بالفريضة يعني: ينوي رمضان على أنه قائم في فريضة؛ لأن الفرض أحب إلى الله من النفل، لكن ليس بواجب)). وانظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 197، والمغني لابن قدامة، 4/ 340، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 7/ 398 - 399.
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب أنه لابد من نيَّة من الليل، لأنواع الصيام المفترضة: صيام رمضان، والنذر، والكفارات)) (1)((فإذا نواه بعد غروب الشمس، أو أوسط الليل، أو آخر الليل [قبل الفجر] كفى)) (2)، والحمد لله (3)، وقال شيخ الإسلام ابن
(1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 175، وانظر: شرح العمدة لابن تيمية،
1/ 195 - 196، والمغني لابن قدامة، 4/ 335.
(2)
سمعته أثناء تقريره على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم،لأبي البركات عبد السلام بن تيمية، الحديث رقم 2117،وانظر: شرح العمدة لابن تيمية،1/ 176، و1/ 195.
(3)
اختلف العلماء رحمهم الله في وقت النية في الصيام على قولين:
القول الأول: يشترط تبييت النية كل ليلة لصيام رمضان، والنذر والكفارات، وبه قال أحمد، والشافعي وطائفة: لا بد من تبييت النية كل ليلة من ليالي رمضان، وكذلك في صيام النذر، والكفارات.
القول الثاني: يكفي نية واحدة من أول شهر رمضان لجميع الشهر، وهذا رواية عن أحمد، ذكرها شيخ الإسلام في شرح العمدة، 1/ 198، قال:((وهذه التي نصرها ابن عقيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما لكل امرئ ما نوى))، وهذا قد نوى جميع الشهر)). وذكرها المرداوي في الإنصاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 7/ 395، قال:((يعتبر لكل يوم نية مفردة على الصحيح من المذهب، وعنه: يجزئ في أول رمضان نية واحدة لكلِّه))، ونُقل أنه مذهب مالك. قال ابن القيم في إعلام الموقعين، 1/ 302 نقلاً عن مالك:((يجزئ بنية واحدة عن الشهر كله؛ لأنه عبادة واحدة)). وانظر: المنتقى للباجي، 2/ 41، والفواكه الدواني، 1/ 353. وذكر هذه الرواية ابن قدامة في المغني، 4/ 337. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((
…
فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله فإنه يجزئه عن الشهر كله، ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع، كما لو سافر في أثناء رمضان، فإنه إذا عاد يجب عليه أن يجدد النية للصوم، وهذا هو الأصح؛ لأن المسلمين جميعاً لو سألتهم لقال كل واحد منهم أنا نويت الصوم من أول الشهر إلى آخره
…
)). الشرح الممتع، 6/ 369 - 370.
تيمية رحمه الله: ((أما تبييت النية، فإن الصوم الواجب الذي وجب الإمساك فيه من أول النهار لا يصح إلا بنية من الليل، سواء في ذلك ما تعيّن زمانه كأداء رمضان، والنذر المعين، وما لم يتعيّن كالقضاء، والنذر المطلق)) (1)، ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى (2)، فالنية ليس فيها مشقة؛ فإن المسلم إذا تسحَّر، أو أمسك عن الطعام، أو خطر بقلبه الصيام غداً فقد نوى (3).
أما صيام التطوع فيجوز أن ينوي من النهار (4) إذا لم يتناول شيئاً من
(1) شرح العمدة، 1/ 176.
(2)
الاختيارات الفقهية لشيخ الاسلام ابن تيمية، ص158.
(3)
((ولو قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزئه، وعنه يجزئه)). قال المرداوي: ((لو نوى إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزئه وهذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وهو مبني على أنه يشترط تعيين النية على ما تقدم
…
وعنه يجزئه. وهي مبنية على رواية أنه لا يجب تعيين النية لرمضان، واختار هذه الرواية الشيخ تقي الدين)). [الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير،7/ 399.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وتصح النية المترددة كقوله: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل، وهي إحدى الروايتين عن أحمد)). [الاختيارات الفقهية، ص159]. وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 339، وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 205 - 206.
ورجح العلامة ابن عثيمين الرواية الثانية التي اختارها شيخ الإسلام، انظر: الشرح الممتع،
6/ 374 - 376.
(4)
انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 340،والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف،7/ 403، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 244،ومجموع فتاوى ابن باز،15/ 252.
المفطرات بعد الفجر (1)؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: ((يا عائشة: هل عندكم شيء؟)) قالت: فقلت: يا رسول الله ما عندنا شيء، قال:((فإني صائم)) قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية - أو جاءنا زورٌ (2) - قالت: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله: أُهديت لنا هدية - أو جاءنا زور - وقد خبأت لك شيئاً، قال:((ما هو؟)) قلت: حيسٌ (3) قال: ((هاتيه)) فجئت به فأكل، ثم قال:((قد كنت أصبحت صائماً))، وفي رواية:((دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ((هل عندكم شيء؟)) فقلنا: لا، قال:((فإني إذن صائم))، ثم أتانا يوم آخر فقلنا: يا
(1) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في وقت النية لصوم التطوع على قولين:
القول الأول: قول أحمد وأبي حنيفة والشافعي: أن صوم التطوع يجوز بنية من النهار، لكن مذهب الإمام أحمد أن النية تصح قبل الزوال وبعده، وهو قول للشافعي، وأما مذهب أبي حنيفة فلا تجزئه النية بعد الزوال، وهو المشهور من قولي الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:((والأظهر صحته كما نُقل عن الصحابة))، أي صحة التطوع بعد الزوال، [مجموع الفتاوى، شيخ الإسلام، 25/ 119، وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 186 - 192].
القول الثاني: قول الإمام مالك وطائفة معه: إن صوم التطوع لا يجزئ إلا بنية من الليل، على ظاهر حديث حفصة، وابن عمر. [انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 340، 341، والمقنع والشرح الكبير، والإنصاف، المطبوعة جميعاً، 7/ 403 - 405، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 120.
(2)
زور: الزور الزائر، والضيف، وهو مصدر يقع على الواحد، والاثنين، والجمع، والذكر، والأنثى. جامع الأصول، لابن الأثير، 6/ 288.
(3)
حيس: الحيس: دقيق وسمن، وتمر مخلوط، وقيل: تمر وسمن وأقط. جامع الأصول، لابن الأثير 6/ 288.
رسول الله: أُهدي لنا حيس، فقال:((أرينيه فلقد أصبحت صائماً)) فأكل)) (1).
وعن أمِّ هانئ رضي الله عنها، قالت: لما كان يوم الفتح - فتح مكة -، جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمُّ هانئ عن يمينه، قالت فجاءت الوليدة (2) بإناء فيه شرابٌ فناولته فشرب منه، ثم ناوله أمَّ هانئٍ فشربت منه، فقالت: يارسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة؟ فقال لها: ((أكنتِ تقضين شيئاً؟)) قالت: لا، قال:((فلا يضركِ إن كان تطوعاً)) (3)، وفي رواية للترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فدعا بشراب، فشرب ثم ناولها فشربت، فقالت: يا رسول الله أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الصائم المتطوع أمينُ نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر))، وفي رواية للترمذي أيضاً:((أمين نفسه، أو أميرُ نفسه)) على الشك)).
وفي لفظ للترمذي عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأُوتي بشرابٍ، فشرب منه ثم ناولني فشربت منه، فقلت: إني أذنبت ذنباً فاستغفرلي، فقال:((وما ذاك؟)) قالت: كنت صائمة فأفطرت، فقال:
(1) مسلم، كتاب الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر، والأولى إتمامه، برقم 1154.
(2)
الوليدة: الأمةُ، والجمع: ولائد. جامع الأصول لابن الأثير، 6/ 289.
(3)
أبو داود، كتاب الصوم، باب الرخصة في ذلك، برقم 2456، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، برقم 731، ورقم732، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 83، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 389.
((أمن قضاءٍ كنت تقضينه؟)) قالت: لا، قال:((فلا يضرك)) (1).
ولفظ الحاكم مرفوعاً بدون شك: ((الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر))، وفي لفظِ الحاكم مرفوعاً:((المتطوع بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر)) (2).
وعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: كان أبو الدرداء يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائم يومي هذا، وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة رضي الله عنهم (3)، والأظهر صحة نية التطوع بالصيام قبل الزوال وبعده ((4).
(1) أبو داود، كتاب الصوم، باب الرخصة في ذلك، برقم 2456، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع، برقم 732، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 83، وفي صحيح سنن الترمذي، برقم 732.
(2)
الحاكم في المستدرك، 1/ 439، وصححه ووافقه الذهبي.
(3)
البخاري تعليقاً، كتاب الصيام، باب إذا نوى بالنهار صوماً، قبل الحديث رقم 1924، وقد وصل أثر أم الدرداء، ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، قال الألباني في مختصر البخاري 1/ 556:((فهو صحيح))، وأما أثر أبي طلحة، فوصله عبد الرزاق، وابن أبي شيبة من طريقين عن أنس، وصححه الألباني،1/ 556 في مختصر البخاري.
وأما أثر أبي هريرة فوصله البيهقي.
وأما أثر ابن عباس فوصله الطحاوي، قال الألباني في مختصر البخاري، 1/ 556:((بسند جيد)).
وأما أثر حذيفة فوصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال حذيفة:((من بدا له بعد ما تزول الشمس فليصم/ح))، وفي رواية ابن أبي شيبة ((أن حذيفة بدا له في الصوم بعد ما زالت الشمس فصام/ح)). ذكر وصل هذه الآثار كلها، ابن حجر في فتح الباري، 4/ 141، وانظر يضاً: تخريج هذه الآثار في شرح العمدة لابن تيمية،
1/ 186.
(4)
مذهب الإمام أحمد، أن النية في صيام التطوع تصح قبل الزوال وبعده، وهو قول الشافعي، وأما مذهب أبي حنيفة فلا تجزئه النية بعد الزوال، وهو المشهور من قولي الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 341، والمقنع والشرح الكبير، والإنصاف المطبوعة جميعاً، 7/ 403 - 405].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((الأظهر صحته كما نُقِلَ عن الصحابة)) (1)،وقال رحمه الله:((ينوي أي وقتٍ شاء، ولو كان بعد الزوال أيضاً، وهذا أعدل الأقوال عندنا، وأشبه بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم)) (2)،وقال رحمه الله:((والمنصوص عن أحمد أن الثواب من حين النية)) (3)، ((والمنصوص أصح)) (4)،وهذا يبيِّن أن نية صيام التطوع من الليل يكتب له ثواب صيام اليوم كاملاً، أما إذا أنشأ النية أثناء النهار فيكتب له ثواب بقية يومه من حين النية (5)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 120.
(2)
شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 192، ويؤيده فعل حذيفة رضي الله عنه، فقد أخرج ابن أبي شيبة، 2/ 290، وعبد الرزاق، 4/ 274، والبيهقي في الكبرى، 4/ 204، والطحاوي في شرح المعاني، 2/ 56:((أن حذيفة بدا له الصوم بعد ما زالت الشمس فصام)). وسنده صحيح كما ذكره محقق شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 188، ونقل لفظه ابن حجر في فتح الباري، 4/ 141، من قول حذيفة، قال:((من بدا له بعد ما تزول الشمس فليصم))، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:((متى أصبحت يوماً فأنت على أحد النظرين ما لم تطعم أو تشرب، إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) ابن أبي شيبه،2/ 289، والطحاوي في شرح المعاني، 2/ 56، والبيهقي في الكبرى،
4/ 277، وهذا لفظ أبي إسحاق عند الطحاوي وسنده صحيح [قاله محقق شرح العمدة لابن تيمية، 1/ 188، زائد بن أحمد النثيري].
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 121.
(4)
شرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 194.
(5)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، في ثواب صيام التطوع بنية من النهار: هل يثاب ثواب يوم كامل، أو يثاب من حين النية؟ على قولين:
القول الأول: مذهب الإمام أحمد، وهو الصحيح من مذهبه، والمنصوص عليه: أن الصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية؛ فإنه قال: ((من نوى في التطوع من النهار كتب له بقية يومه، وإذا أجمع من الليل كان له يومه))،وهذا قول بعض أصحاب الشافعي.
القول الثاني: يحكم له بالصوم من أول النهار، اختاره القاضي في المجرّد، وأبو الخطاب في الهداية، والمجد في شرحه، وهو قولُ بعض أصحاب الشافعي؛ لأن الصوم لا يتبعض في اليوم.
[انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 342، والمقنع والشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 405 - 407، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام، 25/ 120 - 121،وشرح العمدة لابن تيمية، 1/ 193 - 194، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 373 - 374].