الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر: تيسير الله تعالى في الصيام
فرض الله عز وجل صيام شهر رمضان ويسَّره على عباده، ولم يكلفهم ما لا طاقة لهم به، قال الله عز وجل في فرضه شهر رمضان وتيسيره في ذلك:{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (1)، والله لم يوجب الصيام أداءً إلا على المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصيام، المقيم، السالم من الموانع، وهذا من رحمته وإحسانه، وتيسيره على عباده؛ فإنه تعالى لم يجعل عليهم في الدين من حرج كما قال عز وجل:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2)، وقال سبحانه وتعالى:{فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)، وقال جلَّ وعلا:
{لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: ((نعم))، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا (4) كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قال:((نعم)) {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: ((نعم)) {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين} قال: ((نعم)) (5).
(1) سورة البقرة، الآية:185.
(2)
سورة الحج، الآية:78.
(3)
سورة التغابن، الآية:16.
(4)
الإصر: العهد والميثاق، وقيل: الحمل الثقيل. [جامع الأصول لابن الأثير،2/ 62].
(5)
مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله تعالى عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر، وبيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق
…
، برقم 125 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما في هذه المواضع: قال: ((قد فعلت)) بدلاً: من ((نعم)) (1).
وقد نفى الله عز وجل الحرج عن هذه الأمة، فقال:{مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (2).
وقد خفف عن عباده ولم يشقَّ عليهم، قال سبحانه:{يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (3)،وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الدين يسٌر
…
)) الحديث (4) وقال صلى الله عليه وسلم: ((دعوني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) (5).
ومن تيسيره تعالى على عباده: أن بعث لهم رسولاً رحيماً بالمؤمنين، يشق عليه ما يشق عليهم، قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ
(1) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 126.
(2)
سورة المائدة، الآية:6.
(3)
سورة النساء، الآية:28
(4)
البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم 39، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 7288، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم 1337.
عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم} (1)، ومن تيسير الله تعالى على عباده أن أوحى إلى رسوله الكريم أن يأمر بالتيسير وينهى عن التعسير، فعن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يسروا ولا تعسروا)) الحديث (2)، والنبي صلى الله عليه وسلم: ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والله تعالى حينما فرض صيام شهر رمضان لم يشق على عباده، بل يسّر عليهم، فأباح الإفطار: للمريض، والمسافر، والكبير الهرم الذي لا يطيق الصوم، والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما الضرر، ولم يوجبه على الصبيان والأطفال، ولا على الذين لا يطيقونه، وغير ذلك من التيسير والتخفيف، ويأتي التفصيل إن شاء الله تعالى في أحكام أهل الأعذار الذين أباح لهم الله تعالى الإفطار في نهار رمضان: رحمة بهم، وإحساناً، وكرماً وتخفيفاً على عباده سبحانه، فلا إله غيره، ولا رب سواه، فله الحمد كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
(1) سورة التوبة، الآية:128.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة، برقم 69، ومسلم، كتاب الجهاد، باب الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم 1734.