الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجماعة أم لا، [إلاّ مسجدها في بيتها فلا يصح الاعتكاف فيه] هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة مُنِعَتْ.
والأفضل أن يكون المسجد الذي يُعتكف فيه تقام فيه صلاة الجُمُعة لكن ذلك ليس شرطاً للاعتكاف؛ لأن المعتكف إذا خرج مرة واحدة في الأسبوع لا يؤثر هذا الخروج على صحة اعتكافه؛ لأن صلاة الجمعة عليه فرض عين، والخروج إلى هذه الفريضة لا يستغرق وقتاً طويلاً (1).
الشرط السابع: الطهارة من الحدث الأكبر:
الحيض، والنفاس، والجنابة؛ ولهذا عرَّف بعضهم الاعتكاف، فقال: لزوم المسجد لعبادة الله من مسلم، عاقلٍ، طاهرٍ مما يوجب غسلاً، فلا يصح اعتكاف الجنب ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد، أما الجنب؛ فلقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} (2)؛ولحديث عائشة رضي الله عنها ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجَّهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحلُّ المسجد لحائض ولا جنب)) (3)، أما مرور الجنب واجتيازه
(1) انظر: كتاب الفروع لابن مفلح، 5/ 137.
(2)
سورة النساء، الآية:43.
(3)
أبو داود، كتاب الطهارة، بابٌ في الجنب يدخل المسجد، برقم 232، قال ابن حجر في التلخيص الحبير: قال أحمد: ما أرى به بأساً، وقد صححه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان، وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 132 يقول:((سنده لا بأس به))، وحسنه الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 11/ 205.
المسجد فلا حرج فيه لنص الآية: {وَلَا جُنُبًا إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} .
وأما الدليل على عدم صحة اعتكاف الحائض والنفساء، وأن الطهارة من ذلك من شروط صحة الاعتكاف؛ فحديث عائشة رضي الله عنها المذكور آنفاً: ((
…
فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب))،وأما المرور إذا تحفظت ولم تخشَ تلويث المسجد فلا حرج فيه؛ لعموم قوله تعالى:{إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ} (1)؛ ولحديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((إن حيضتك ليست في يدك)) (2).
وأما الصيام فالصواب أنه ليس بشرطٍ في الاعتكاف، لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال:((يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: ((أوفِ بنذرك)) (3)، فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل؛ لأنه لا صيام فيه؛ ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لأحدهما وجود الأخرى (4)، والله تعالى أعلم (5).
(1) سورة النساء، الآية:43.
(2)
مسلم، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها
…
، برقم 299.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم: 2020، ومسلم، برقم1172، ويأتي تخريجه في حكم الاعتكاف.
(4)
انظر: الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، ص168،إعداد وزارة الشؤون الإسلامية.
(5)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في اشتراط الصوم للمعتكف على قولين:
القول الأول: إن الصوم شرط في صحة الاعتكاف، فلا يصح إلا بصوم، وهو رواية عن الإمام أحمد، ويروى ذلك عن: ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وبه قال الزهري، وأبو حنيفة، ومالك، والثوري، والحسن بن حَيٍّ؛ لقول عائشة رضي الله عنها:((السنة على المعتكف: أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجةٍ إلا لما لا بُدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع))، [أبو داود، برقم2473، وقال الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 87: ((حسن صحيح))، ورجح هذا القول ابن القيم في زاد المعاد، 2/ 87؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً قط، ولم يذكر الله الاعتكاف إلا مع الصوم، ثم قال: ((فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في صحة الاعتكاف، وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية)). [زاد المعاد، 2/ 88].
القول الثاني: إن الاعتكاف يصح بدون صوم، وليس الصوم بشرط في ذلك، وهو رواية عن الإمام أحمد، وظاهر مذهبه، ويروى ذلك عن علي، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، وعطاء، وطاوس، والشافعي، وإسحاق؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فقال صلى الله عليه وسلم:((أوفِ بنذرك))، [البخاري، برقم 2020، ومسلم، برقم 1172].
ولو كان الصوم شرطاً لما صح الاعتكاف في الليل؛ لأنه لا صيام فيه؛ ولأنه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصيام، كالصلاة وسائر العبادات؛ ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نص ولا إجماع؛ فإن أحاديث من قال باشتراط الصوم لا تصح، وأما حديث عائشة رضي الله عنها فهو موقوف، ومن رفعه فقد وهم كما قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في الشرح الكبير، 7/ 568، قال:((ثم لو صح فالمراد به الاستحباب؛ فإن الصوم فيه أفضل))، وقال عن قياس أصحاب القول الأول:((وقياسهم ينقلب عليهم؛ فإنه لبثٌ في مكان مخصوص فلم يشترط له الصوم، كالوقوف، ثم نقول بموجبه؛ فإنه لا يكون قربة بمجرده بل بالنسبة، إذا ثبت هذا، فإنه يستحب أن يصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وهو صائم؛ ولأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات، والقرب، والصوم من أفضلها، ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات، ويخرج به من الخلاف)). [انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 567 - 569].
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على زاد المعاد لابن القيم، 2/ 86: ((
…
هذا القول [أي القول باشتراط الصوم] وإن ذكره المؤلف عن شيخ الإسلام فهو ضعيف، والصواب أن الصوم ليس شرطاً في الاعتكاف، فإن صام المعتكف فهو أكمل، وإن لم يصم فاعتكافه صحيح)).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والصواب أن الصوم ليس