الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نوى)) (1)،وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:((وهذا هو القول الراجح)) (2)، وبناء على ذلك فصيام الأيام المعيّنة من النفل يحتاج إلى تبييت النية من الليل؛ ليحصل على ثواب صيام اليوم كله، كيوم: لإثنين، والخميس، والأيام البيض، وستة أيام من شوال، وصيام يوم عرفة لغير الحاج، وصيام يوم عاشوراء؛ لأنه إذا نوى من النهار قبل الزوال أو بعده لا يثاب على القول المنصوص عن أحمد - وهو الراجح - إلا على بقية اليوم؛ لأنه لا يصدق عليه: أنه صام اليوم كاملاً. والله تعالى أعلم (3).
الركن الثاني: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر
الثاني إلى غروب الشمس؛ لقول الله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907، وتقدم تخريجه.
(2)
الشرح الممتع، 6/ 373.
(3)
انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 373 - 374.
كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (1)، والمراد بالخيط الأبيض: بياض النهار، والخيط الأسود: سواد الليل؛ لحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ} (2) قال له عدي: يا رسول الله! إني أجعل تحت وسادتي عقالين (3) عِقالاً أبيض، وعقالاً أسود، أعرف الليل من النهار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن وسادك لعريض (4) إنما هو سواد الليل وبياض النهار))، وفي لفظ للبخاري:((إن وسادك إذاً لعريض أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك))،ثم قال:((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار)) (5).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أُنزلت {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} ، ولم ينزل:((مِنَ الْفَجْرِ))، فكان
(1) سورة البقرة، الآية 187.
(2)
هكذا في رواية مسلم ذكر ((مِنَ الْفَجْرِ)) مع الآية، أما رواية البخاري لحديث عدي هذا فلم يذكر ((من الفجر)) فوافقت رواية البخاري حديث سهل: وأن ((مِنَ الْفَجْرِ)) لم تنزل إلا بعد ذلك لإزالة الإشكال.
(3)
العقال: الحبل الذي تُشدُّ به ركبة البعير؛ لئلا يهرب. [جامع الأصول لابن الأثير، 2/ 29].
(4)
الوساد، والوسادة: المخدة. [جامع الأصول لابن الأثير، 2/ 29].
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب قول الله تعالى:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ،برقم 1916،ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر
…
،برقم 1090.
رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبيَّن له رؤيتهما، فأنزل الله بعدُ {مِنَ
الْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار)) (1).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يُقال له: ((أصبحت أصبحت))، وفي رواية للبخاري: حتى يقول له الناس: ((أصبحت أصبحت))، وفي رواية لمسلم: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا (2).
وعن عائشة رضي الله عنها أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر)) قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا)) (3).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب قول الله تعالى:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، برقم 1917، ورقم 4511، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم 1091.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب أذان الأعمى، إذا كان له من يخبره، برقم 617، وأطرافه في البخاري: رقم 620، 623، 1918، 2656، 7228، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم 1092.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال))، برقم 1919، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم 38 - (1092).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنعن أحدكم - أو قال: أحداً منكم - أذان بلال [أو قال: نداءُ بلال] من سحوره؛ فإنه يؤذن - أو ينادي - بليل؛ ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم، وليس أن يقول الفجر أو الصبح - وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل - حتى يقول هكذا)) وقال زهير بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى، ثم مدَّهما عن يمينيه وشماله))،وفي رواية البخاري: ثم أظهر يزيد يديه ثم مدَّ إحداهما من الأخرى))،وفي لفظ مسلم: ((
…
ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم))، وقال:((ليس أن يقول هكذا وهكذا - وصوب يده ورفعها - حتى يقول هكذا وفرج بين أصبعيه))،وفي رواية لمسلم أيضاً قال:((إن الفجر ليس الذي يقول هكذا وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض؛ ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه))،وفي رواية لمسلم: ولكن يقول هكذا: يعني الفجر ((وهو المعترض وليس بالمستطيل)) (1).
وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا))، وحكاه حماد بيده: يعني معترضاً، وفي لفظ: ((لا يغرنكم أذان
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان قبل الفجر، برقم 621، وأرقام: 5298، 7247، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي يتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك، وهو الفجر الثاني، ويسمى الصادق، والمستطير، وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام، وهو الفجر الكاذب المستطيل - كذنب السرحان- وهو الذئب، برقم 1093، وما بين المعقوفين من لفظ مسلم.
بلال، ولا هذا البياض - العمودي الصبح - حتى يستطير (1) هكذا)) (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الفجر فجران: فجر يَحْرُمُ فيه الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تَحرُمُ فيه الصلاة ويحلُّ فيه الطعام)) (3).
وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم قال: ((الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا تحل الصلاة فيه، ولا يحرم الطعام، وأما الذي يذهب مستطيلاً في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام)) (4).
وقد ذكر الإمام ابن خزيمة رحمه الله: أن معنى قوله: ((فجر يحرم فيه الطعام، يريد: على الصائم، وتحل فيه الصلاة، يريد: صلاة الصبح وفجر تحرم فيه الصلاة، يريد: صلاة الصبح إذا طلع الفجر الأول، لم يحل أن
(1) يستطير: يقال: استطار ضوء الفجر: إذا انبسط في الأفق وانتشر. [جامع الأصول، 6/ 370].
(2)
مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، برقم 1094.
(3)
ابن خزيمة، كتاب الصلاة، باب ذكر بيان الفجر الذي يجوّز صلاة الصبح بعد طلوعه، إذ الفجر هنا فجران؛ طلوع أحدهما بالليل، وطلوع الثاني يكون بطلوع النهار، برقم 356، 1/ 184، وفي كتاب الصيام، باب الدليل على أن الفجر هما فجران، وأن طلوع الثاني منهما هو المحرم على الصائم الأكل والشرب والجماع، لا الأول، وهذا من الجنس الذي أعلمت أن الله عز وجل ولَّى نبيه عليه [الصلاة] والسلام البيان عنه عز وجل، برقم 1927.
وأخرجه الحاكم بلفظه، 1/ 91، وقال:((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين))، وصححه الألباني، في صحيح الجامع الصغير، 4/ 106، برقم 4155، وذكره في الأحاديث الصحيحة،
2/ 314، برقم 693.
(4)
الحاكم، 1/ 91، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 5/ 8، برقم 2002:((إسناده جيد، ورجاله ثقات))، وهو شاهد لحديث ابن عباس المتقدم.
…
يصلّيَ في ذلك الوقت صلاة الصبح؛ لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الأول، وقوله: ويحلُّ فيه ((الطعام، يريد: لمن يريد الصيام)) (1).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((هذان الحديثان يدلان على أن الفجر فجران: فجر صادق، وفجر كاذب، فالفجر الصادق: هو المستطيل [في الأفق] والكاذب الذي كذنب السرحان [الذئب] عمودياً في السماء)) (2).
وأما الإفطار فقد دل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} (3)، فإذا غربت الشمس فقد دخل الليل؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم)) (4)(5).
(1) صحيح ابن خزيمة، 1/ 185.
(2)
سمعته منه أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 181، 182.
(3)
سورة البقرة، الآية:187.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب متى يحل فطر الصائم، برقم 1954، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار، برقم 1100.
(5)
ومعنى فقد أفطر الصائم: أي أنه صار في حكم المفطر، وإن لم يأكل ولم يشرب، وقيل: معناه: أنه دخل في وقت الفطر، وجاز له أن يفطر، كما قيل: أصبح الرجل: إذا دخل في وقت الصبح، وكذلك أمسى، وأظهر. [جامع الأصول لابن الأثير، 6/ 372].