الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: الصوم والفطر بالاجتهاد
، ثبت في هذا أحاديث منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون))،ولفظ أبي داود:((وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل فجاج (1) مكة
(1) فجاج: جمع فج: وهو الطريق، وجمع: اسم علم على المزدلفة. [جامع الأصول لابن الأثير،
6/ 378 - 379].
منحر، وكل جمع موقف)) (1).
قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وفسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا؛ أن الصوم والفطر مع الجماعة وعُظْمِ الناس)) (2).
قال الخطابي رحمه الله: ((معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين؛ فإن صومهم وفطرهم ماضٍ، ولا شيء عليهم: من وزرٍ، أو عيبٍ، وكذلك الحج إذا أخطأوا [يوم] عرفة، فليس عليهم إعادتُه، وكذلك أضحاهم تجزئهم، وإنما هذا رفق من الله ولطف بعباده)) (3).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحى الناس)) (4).
ومما يدخل في معنى هذه الأحاديث: أن من رأى هلال رمضان وحده
(1) أبوداود، كتاب الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال، برقم 2324، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء أن الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون، برقم 697، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في شهري العيد، برقم 1660، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 50، وصحيح الترمذي، 1/ 375.
(2)
سنن الترمذي، على الحديث رقم 697، وقد سبق تخريجه في الذي قبله.
(3)
نقله ابن الأثير عن الخطابي في جامع الأصول، 6/ 378.
(4)
الترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون، برقم 802، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 420.
وردّت شهادته لم يلزمه الصوم ولا غيره، ونقله حنبل عن أحمد في الصوم، وكما لا يعرِّف ولا يضحى وحده، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1).
وقال سماحة شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: ((ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يصوم وحده، والصواب أنه لا يجوز له أن يصوم وحده، بل عليه: أن يصوم مع الناس ويفطر معهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (2)، أما إذا كان في البرية ما عنده أحد فإنه يعمل برؤيته في الصوم والفطر)) (3) والله عز وجل أعلم (4).
(1) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص158، ومجموع الفتاوى له، 25/ 114،
و25/ 202.
(2)
أبو داود، برقم 2324،والترمذي برقم 697،وابن ماجه، برقم 1660،وتقدم تخريجه.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز،15/ 72 - 74،وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 25/ 117.
(4)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيمن رأى هلال رمضان وحده ولم تقبل شهادته، كما اختلفوا فيمن رأى هلال شوال وحده ولم تقبل شهادته كذلك على النحو الآتي:
المسألة الأولى: من رأى هلال شهر رمضان ولم تقبل شهادته فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يلزمه الصوم، وجميع أحكام الشهر: من طلاق وغيره معلق به؛ لعلمه أنه من رمضان، وهذا هو المشهور في مذهب أحمد، وهو قول مالك، والليث، والشافعي، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأنه تيقن أنه من رمضان فلزمه صومه كما لو حكم به الحاكم، وكونه محكوماً به من شعبان ظاهر في حق غيره، وأما في الباطن فهو يعلم أنه من رمضان فلزمه صيامه كالعدل.
القول الثاني: لا يلزمه الصوم وهو رواية عن أحمد، فقد روى حنبل عن أحمد: لا يصوم إلا في جماعة الناس، وبه قال عطاء وإسحاق، وروي عن الحسن وابن سيرين؛ لأنه يوم محكوم به من شعبان فأشبه التاسع والعشرين. وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، كما لا يعرِّف ولا يضحّي وحده؛ ولأن الهلال لا يسمى هلالاً إلا بالاشتهار والظهور كما يدل عليه الكتاب والسنة والقياس، والقول الآخر أن الهلال اسم لما يطلع في السماء وهما روايتان عن الإمام أحمد. ورجح هذا القول وأنه لا يلزمه الصوم شيخ الإسلام كما تقدم، وشيخنا ابن باز، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية.
[انظر: المغني لابن قدامه، 4/ 416، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين، 6/ 328، والاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص158، والفتاوى لابن تيمية أيضاً، 25/ 114 - 117، ومجموع فتاوى ابن باز، 15/ 72،وكتاب الصيام من شرح عمدة الأحكام لابن تيمية،1/ 131. قال شيخ الإسلام:((فأما إذا رآه في موضع ليس فيه غيره فيلزمه الصوم رواية واحدة، وإن انفرد برؤيته بين الرفقة أو في قرية صغيرة ونحو ذلك)). [كتاب الصيام من شرح عمدة الأحكام،
1/ 132، ومجموع الفتاوى له، 25/ 117، وبه يقول شيخنا ابن باز كما تقدم في متن هذه الرسالة].
المسألة الثانية: من رأى هلال شهر شوال ولم تقبل شهادته فعلى قولين:
القول الأول: يلزمه الصوم ولا يفطر إلا مع الناس، وهذا مذهب الإمام أحمد، وبه قال مالك والليث، وهو مذهب الجمهور، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخنا ابن باز، وأنه يجب عليه أن يصوم ويفطر مع الناس.
القول الثاني: يجب عليه الفطر سراً، وبه قال الشافعي وغيره.
[انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 117، وسبل السلام للصنعاني، 2/ 72، وتهذيب السنن لابن القيم، 3/ 214، وفتاوى ابن باز، 15/ 72. والمغني لابن قدامة، 4/ 420، والروض المربع مع تعليق الطيار ومن معه، 4/ 281.
وكذلك من انتقل من بلدٍ إلى بلدٍ آخر فحكمه في الصيام والإفطار حكم البلد الذي سافر إليها، سواء كان ذلك في أول شهر رمضان أو في الخروج من الصيام، فيصوم مع الناس، ويفطر معهم؛ لأن حكم من
وُجد في بلد حكم أهله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (1) لكن إذا كان الذي انتقل إلى بلد آخر أو دولة أخرى لم يصم إلا ثمانية وعشرين يوماً؛ فإنه يلزمه أن يقضي يوماً آخر بعد العيد؛ حتى يكمل به تسعة وعشرين يوماً؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين، كما أنه لا يزيد عن الثلاثين (2) وحتى لو قدم إلى بلد فصاموا وهو قد صام في بلد آخر قبلهم بيوم فإنه يصوم مع الناس حتى ولو كان صيامه معهم يكمل له واحداً وثلاثين يوماً؛ فإنه يصوم معهم للحديث السابق:((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) (3)(4).
(1) أبو داود، برقم، 2324،والترمذي، برقم 697،وابن ماجه، برقم 1660، وتقدم تخريجه.
(2)
مجمع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 123، 127، 128، ومجموع فتاوى ابن باز، 15/ 98 - -104، و155، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية،
25/ 106 - 107.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز، 15 - 155.
(4)
وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها موقوفاً عليها وأخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة بسنده عن مسروق قال: دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت: اسقوا مسروقاً سويقاً وأكثروا حلواه، قال: فقلت: إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر، فقالت عائشة رضي الله عنها:((النحر يوم ينحر الناس والفطر يوم يفطر الناس)). [قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 224، 1/ 18: وهذا سند جيد بما قبله.
وما أحسن ما قال العلامة الألباني رحمه الله في وجوب اتباع الإمام والجماعة في الصوم والإفطار، وأن الفرد يتبع الجماعة حيث قال: ((
…
وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة، التي من غايتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم، من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - ولو كان صواباً في وجهة نظره - في عبادة جماعية، كالصوم، والتعييد، وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض، وفيهم من يرى: أن مس المرأة، والعضو، وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها؛ وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الاعتداد بالرأي المخالف لرأي الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى، إلى حدِّ ترك العمل برأيه إطلاقاً في ذلك المجتمع فراراً مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه، فروى أبو داود (1/ 307): أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعاً، فقال عبد الله بن مسعود منكراً عليه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدراً من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق، فلَوَدِدْتُ أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعاً فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً؟ قال: الخلاف شر)). وسنده صحيح، وروى أحمد، 5/ 155 نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين. فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان، وبحجة كونهم على خلاف مذهبهم! وبعض أولئك الذين يدّعون العلم بالفلك ممن يصوم ويفطر وحده متقدماً أو متأخراً عن جماعة المسلمين، معتداً برأيه وعلمه، غير مبال بالخروج عنهم، فليتأمل هؤلاء جميعاً فيما ذكرناه من العلم، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور، فيكونوا صفاً واحداً مع إخوانهم المسلمين؛ فإن يد الله على الجماعة)). [سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 50، على شرح لحديث رقم 224].