الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن المبالغة في الاستنشاق خوفاً من تسرّب الماء إلى جوفه فيُفْسِد
صومه (1)، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وأما الإنزال بالاحتلام للنائم، أو بالتفكير المجرَّد عن العمل والقصد، فلا يفطر؛ لأن الاحتلام بغير اختيار الصائم، وأما التفكير المجرَّد عن العمل والقصد فمعفوٌّ عنه (2)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به)) وفي لفظ البخاري: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم)) (3).
النوع الثالث: الأكل أو الشرب
، فيفطر بذلك بدلالة الكتاب والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقول الله تعالى:{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (4))
(1) مسند أحمد، 4/ 32، وأبوداود، برقم 2366، والترمذي، برقم 788، والنسائي، 1/ 87، وابن ماجه، برقم 407، وحديث لقيط صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 91، والإرواء، برقم 90، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
(2)
انظر: مجالس شهر رمضان لابن عثيمين، ص160، والمغني لابن قدامة، 4/ 364.
(3)
البخاري، كتاب العتق، باب الخطأ والنسيان، برقم 2528، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان، برقم 127.
(4)
سورة البقرة، الآية:187.
فقد مدَّ الأكل والشرب إلى تبين الفجر، ثم أمر بالصيام عنهما (1).
وأما السنة، فقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: ((
…
يترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)) (2).
وأما الإجماع، فأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب لما يُتغذَّى به، فأما ما لا يُتَغَذَّى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به (3).
والسعوط (4) في الأنف، ودخول الماء معه بقصدٍ، كالأكل والشرب؛ لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول أخبرني عن الوضوء؟ قال: ((أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) (5)، فتبين بهذا أن الأنف منفذ إلى المعدة
(1) المغني لابن قدامة، 4/ 349.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 1864، ومسلم، برقم 1151، وتقدم تخريجه.
(3)
المغني، 4/ 349 - 350.
(4)
السعوط: ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف.
(5)
أحمد، 4/ 32،211، وأبو داود، كتاب الصوم، باب الصائم يصب عليه الماء من العطش ويبالغ في الاستنشاق، برقم 2366، والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، برقم 788، والنسائي، كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق، برقم 87، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار، برقم 407، والحاكم،
1/ 147، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 91، وفي إرواء الغليل، برقم 90.
والجوف (1)، فأما شمُّ الروائح فلا يفطر؛ لأنه ليس للرائحة جُرْمٌ يدخل إلى الجوف (2)، إلا أن البخور له أجزاء لها جرم وهو الدخان المتصاعد؛ فليجتنبه الصائم. والله تعالى أعلم (3).
(1) مجموع فتاوى ابن باز، 15/ 261، وقال:((أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ))، واستدل بحديث لقيط بن صبرة:((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً))، ثم بين أن من فعل ذلك فوجد طعمه في حلقه فعليه القضاء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، 25/ 220:((إنزال الماء من الأنف يفطر الصائم وهو قول جماهير العلماء)).
(2)
مجالس شهر رمضان، لابن عثيمين، ص160.
(3)
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ((وأجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب لما يتغذَّى به، فأما ما لا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به، وقال الحسن بن صالح لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب، وحُكي عن أبي طلحة الأنصاري: أنه كان يأكل البرد في الصوم، ويقول: ليس بطعام ولا شراب، ولعل من ذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب فما عداهما يبقى على أصل الإباحة)). قال الإمام ابن قدامة: ((ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم، فيدخل فيه محل النزاع، ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة فلا يعد خلافاً)) [المغني، 4/ 350]. وقال شيخ الإسلام في شرح العمدة، 1/ 384:((وسواء في ذلك جميع المأكولات والمشروبات: من الأغذية، والأدوية، وغيرها مثل: الثلج، والبرد. وسواء في ذلك الطعام والشراب المعتادان اللذان يحصل بهما الاقتيات وغيرهما، ولو استف تراباً أو ابتلع حصاة أفطر)).
واختلف كلامه رحمه الله في مجموع الفتاوى عن كلامه هنا، فقال في مجموع الفتاوى، 20/ 528:((والأظهر أنه لا يفطر بالكحل، ولا بالتقطير في الإحليل، ولا بابتلاع ما لا يغذي كالحصاة، ولكن يفطر بالسعوط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً))، وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن إدخال الشيء إلى المعدة يشمل ما ينفع وما يضر، وما لا نفع فيه ولا ضرر من: الطعام، والشراب، والحشيش، والخمر، والخرز، أو شرب الدم، أو الدخان، أو غير ذلك. قال: وقال بعض أهل العلم: ((إن ما لا يُغذِّي لا فطر بأكله، وبناء على هذا فإنَّ بلع الخرزة، أو الحصاة، أو ما شابههما لا يفطر، والصحيح أنه عام [أي يفطر الأكل والشرب] وأن كل ما ابتلعه الإنسان من نافع أو ضار، أو ما لا نفع فيه ولا ضرر، فإنه يفطِّر لإطلاق الآية)). [الشرح الممتع، 6/ 378 - 379 وانظر: المغني 4/ 350، والشرح الكبير والمقنع والإنصاف، 7/ 410].