الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع والعشرون: فضائل وخصائص العشر الأواخرمن رمضان
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لها فضائلها وخصائصها كثيرة وعظيمة، وجليلة، ومنها ما يأتي:
أولاً: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها بالعمل الصالح ما لا يجتهد
في غيرها، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)) (1).
وعنها رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر)) (2).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((اختلف العلماء رحمهم الله في معنى شدِّ المئزر، فقيل: هو الاجتهاد في العبادات، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري: أي تشمَّرت له وتفرَّغت، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات، وقولها: ((أحيا الليل)) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها، وقولها:((وأيقظ أهله)):أي أيقظهم للصلاة في الليل، وجدّ في العبادة زيادة على العادة، ففي هذا الحديث: أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات، وأما قول أصحابنا: يكره قيام الليل كله، فمعناه على الدوام، ولم يقولوا بكراهة ليلة أو ليلتين، والعشر)) (3).
(1) مسلم، برقم 1175، وتقدم تخريجه في فضائل شهر رمضان.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 2024،ومسلم، برقم 1174،وتقدم تخريجه في فضائل شهر رمضان.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 319 - 320.
ففي هذين الحديثين دليل على فضيلة هذه العشر المباركة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة: من صلاةٍ، وقرآن، وذكر، وصدقة، وغيرها؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحيي ليله بالقيام، والقراءة، والذكر: بقلبه، ولسانه، وجوارحه؛ لشرف هذه الليالي، وطلباً لليلة القدر، وظاهر الحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يحيي الليل كله، في عبادة ربه: من الذكر، والقراءة، والصلاة، والاستعداد لذلك بالسحور، وغير ذلك، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما في حديث عائشة رضي الله عنها الآخر، قالت: ((
…
ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح
…
)) (1)؛لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالقيام وغيره من أنواع العبادات، والذي نفت عائشة رضي الله عنها إحياء الليل بالقرآن فقط، والله أعلم.
ومما يدل على فضيلة هذه العشر من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله فيه للصلاة، والذكر، حرصاً على اغتنام هذه الليالي المباركة، بما هي جديرة به من العبادة؛ ولأنها فرصة العمر، وغنيمة لمن وفقه الله تعالى، فلا ينبغي للمؤمن أن يُفوِّت هذه الفرصة العظيمة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة وربما يدرك فيها الإنسان نفحةً من نفحات المولى فتكون سعادةً له في الدنيا والآخرة (2).
(1) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل، برقم 746.
(2)
انظر: مجالس شهر رمضان لابن عثيمين، ص 240 - 241.