الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)) (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وتذكر الموت والبلى)) أي تذكر صيرورتك في القبر عظاماً بالية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا))؛ فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال، حتى للأقوياء؛ لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)) أي جميع ما ذكر آنفاً (2). فكثير من الصائمين لا يستحيون من الله تعالى حق الحياء، ويدل على ذلك قول الله عز وجل:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (3).
ثالثاً: الإسراف والتبذير:
الإسراف، والسرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر (4). فالإسراف يكون: في تجاوز الحد في الإنفاق، وتضييع الأموال في غير فائدة، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (5).
ويكون الإسراف: تارة في القدر، وتارة في الكيفية؛ ولهذا قال سفيان:
(1) المعجم الأوسط للطبراني [مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 1/ 156]، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 416، برقم 1802، ويأتي تخريجه في منكرات العيد آخر الكتاب.
(2)
تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري، 7/ 155.
(3)
سورة سبأ، الآية:13.
(4)
مفردات ألفاظ القرآن للأصبهاني، ص 407.
(5)
سورة الفرقان، الآية:67.
((ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، قال الله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} (1).
ويكون الإسراف في تجاوز الحد في الأمور: في الكبائر من الذنوب، وغيرها، قال الله تعالى:{وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّار} (2)،وقال تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله} (3)، فالإسراف يتناول الزيادة في الحد من المال وغيره.
وأما التبذير: فهو التفريق، وأصله: إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكل مضيع لماله؛ فتبذير البذر تضييع في الظاهر ممن لم يعرف مآل ما يُلقيه، قال الله تعالى:{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} (4).
فكثير من الناس في رمضان خاصة يسرفون ويبذرون في الأطعمة والأشربة، ويُلْقُون ما زاد وما فاض في المزابل، والطرقات، ويزيدون ويتجاوزون الحد في ذلك، وهذا لا يجوز للمسلم؛ لقول الله عز وجل:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} (5).
(1) سورة الأنعام، الآية:141.
(2)
سورة غافر، الآية:43.
(3)
سورة الزمر، الآية:53.
(4)
سورة الإسراء، الآيات: 26 - 28.
(5)
سورة الأعراف، الآية:31.
وروى البخاري في صحيحه معلقاً مجزوماً به، فقال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلوا، واشربوا، والبسوا، وتصدقوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة)) (1).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ((كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة)) (2).
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا، ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة)) (3).
وفي لفظٍ لأحمد: ((كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير مخيلة ولا سرفٍ إن الله يحب أن تُرى نعمته على عبده)) (4).
ولفظ الترمذي مختصراً: ((إنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده)) (5).
والإسراف مذموم حتى في الطهارة من الحدث أو إزالة النجاسة؛ ولهذا ثبت من حديث عبد الله بن معقل، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(1) البخاري، كتاب اللباس، باب قول الله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} قبل الحديث رقم 5783.
(2)
البخاري، كتاب اللباس، باب قول الله تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} قبل الحديث رقم 5783.
(3)
ابن ماجه، كتاب اللباس، باب البس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة، برقم 3605، وأحمد في المسند، 11/ 294، برقم 6659، وقال محققو مسند أحمد:((إسناده حسن)). وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 200.
(4)
أحمد، 1/ 1312، برقم 6708، وقال محققو مسند الإمام أحمد:((إسناده حسن)).
(5)
الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء أن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، برقم 2819، وقال الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 124:((حسن صحيح)).
((سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء)) (1).
والله تعالى يكره الإسراف وإضاعة المال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً (2)،ولا تفرقوا (3)، ويكره لكم: قيل وقال (4)، وكثرة السؤال (5)، وإضاعة المال (6))) (7).
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات (8)، ووأد البنات (9)، ومنعاً وهات (10)، وكره لكم
(1) أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الإسراف في الماء، برقم 96، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 21، وفي إرواء الغليل، 1/ 171.
(2)
الاعتصام بحبل الله: التمسك بعهده، وهو اتباع كتابه، والتأدب بآدابه
…
(3)
ولا تفرقوا: وهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وتألف بعضهم بعضاً، وهذه إحدى قواعد الإسلام.
(4)
قيل وقال: الخوض في أخبار الناس وحكاية ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم.
(5)
كثرة السؤال: قيل المراد به التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لا يقع، ولا تدعو إليه حاجة، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. وقيل: المراد به سؤال الناس أموالهم وما في أيديهم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن ذلك. وقيل: يحتمل أن المراد: كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره، فيدخل في ذلك سؤاله عما لا يعنيه، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسؤول فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله، فإن أخبره شق عليه
…
(6)
إضاعة المال: صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف.
(7)
مسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، برقم 1715.
(8)
عقوق الأمهات: مأخوذ من الشق والقطع، وهو الأذى والعصيان، وهو: حرام من كبائر الذنوب، وكذلك عقوق الآباء. [النهاية لابن الأثير، مادة (عق)].
(9)
وأد البنات: دفنهن في حياتهن أحياء تحت التراب، وهذه من عادات الجاهلية.
(10)
ومنعاً وهاتِ: فلا يمنع ما وجب عليه من الحقوق، ولا يطلب ما لا يستحقه.
وكل هذه التعليقات السابقة من شرح النووي على صحيح مسلم،12/ 251 - 254.
ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) (1).
وكل هذه النصوص المذكورة تدل على تحريم الإسراف، والتبذير، وإضاعة المال، فلا يجوز للمسلم أن يفعل شيئاً من ذلك متعمِّداً، وقد رأى كثير من الناس إسراف أكثر الخلق في رمضان خاصة: فترى أنواع الأطعمة، وأنواع الأشربة، وأنواع الفواكه والخضراوات، ثم بعد الفراغ من الأكل تُلقى في الزبايل مع القاذورات.
وقد روى أبو أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيكون رجال من أمتي: يأكلون ألوان الطعام، ويشربون ألوان الشراب، ويلبسون ألوان اللباس، ويتشدَّقون في الكلام، فأولئك شرار أمتي)) (2).
وقد نَظَّم الإسلام أكل المسلم وشربه، فعن المقدام بن معدِيكَرِب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ آدميٌّ وِعَاءً شراً من بطنٍ، بحسب ابن آدم أُكلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإن كان لا محالةَ: فَثُلُثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنَفَسِهِ)) (3).
(1) مسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منعٍ وهاتِ، وهو الامتناع من أداء حقٍ لزمه أو طلب ما لا يستحقه، برقم 593.
(2)
الطبراني، في المعجم الكبير،8/ 107،برقم 7512، 7513،وفي الأوسط، برقم 2536، وقد ذكر العلامة الألباني طرقه في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 512 - 515، ثم حسنه بمجموع طرقه. وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1891، وصحيح الجامع الصغير، برقم 3557،
3/ 316، وقال:((حسن)).
(3)
الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل، برقم 2380، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الاقتصاد في الأكل، وكراهية الشبع، برقم 3349، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 555،وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 137.