الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: إنزال المني باختياره
، سواء كان ذلك بتقبيل، أو لمس، أو استمناء، أو بتكرير النظر بقصد التلذذ والإنزال، أو غير ذلك من الأسباب (1)؛ لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلاباجتنابها؛
(1) لا يخلو المقبِّل من ثلاثة أحوال:
الحال الأول: أن لا ينزل، فلا يفسد صومه بذلك بغير خلاف عند أهل العلم؛ لقول عائشة رضي الله عنها:((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبِّل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإرْبه)) [متفق عليه: البخاري، برقم 1927، ومسلم، برقم 65 - (1106).
الحال الثاني: أن يمني، فيفطر بذلك ويفسد صومه، بغير خلاف عند أهل العلم؛ لما تقدم من الأدلة؛ ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج.
الحال الثالث: أن يمذي، فاختلف العلماء في ذلك: هل يفطر أو لا؟ على قولين: فقيل يفطر بذلك عند الإمام أحمد ومالك، وقال الإمام أبو حنيفة والشافعي: لا يفطر بذلك. وروي ذلك عن الحسن والشعبي والأوزاعي؛ لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول. واللمس بشهوة كالقبلة في هذا. والصواب: القول الثاني، وأن المذي لا يفطر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن مفلح، واختاره المرداوي في الإنصاف، وهو الذي يرجحه شيخنا ابن باز رحمه الله.
[انظر: المغني، 4/ 360 - 364، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، 7/ 416 - 419، وكتاب الفروع لابن مفلح، 5/ 10، والمختارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص160].
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: ((إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)). ولفظ البخاري: ((يترك شهوته، وطعامه، وشرابه من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)) (1).
فأما التقبيل واللَّمْسُ بدون إنزال فلا يفطر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل ويُباشر وهو صائم، وكان أملككم لإرْبِهِ)) (2)،
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب فضل الصوم، برقم 1894، وأطرافه بأرقام: 1904،5927،7492،7538، ومسلم، كتاب الصيام، باب فضل الصيام، برقم 164 - (1151).
(2)
إرْبه: قال ابن عباس: ((مأرَبٌ: حاجة، قال طاوُس:{غير أولي الإربة} [النور:31]: الأحمق لا حاجة له في النساء [البخاري، كتاب الصوم، باب المباشرة للصائم، برقم 1927].
أَرَبه - بفتح الهمزة والراء -: حاجته، تعني أنه كان غالباً لهواه، وأكثر المحدّثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء ((إِرْبه))، وله تأويلان: أحدهما أنه الحاجة، يقال فيها: الأَرَب، والإِرْب، والإِرْبَةُ
…
والثاني: أرادت به العضو، وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة:[النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 1/ 36] وقال ابن الأثير: ((المباشرة: أراد بها: الملامسة والمداعبة ومقدمات الجماع، ولإربه - بكسر الهمزة وسكون الراء -، وهو الإرب المخصوص، ويعني الذكر، ويروى بفتح الهمزة والراء: الأرَب الحاجة، وأرادت به حاجة الجماع))، [جامع الأصول، 6/ 298].
وفي لفظ للبخاري: ((إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت))، وفي لفظ لمسلم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه، أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلُها وهو صائم)) وفي لفظ:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل في شهر الصوم)) وفي لفظ ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّل في رمضان وهو صائم)) (1).
وعن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم)) (2)، وعن عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُقَبِّل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سل هذه)) لأم سلمة، فأخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له)) (3).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصوم، باب المباشرة للصائم، برقم 1927، وباب القبلة للصائم، برقم 1928، ومسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، برقم 1106.
(2)
مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، برقم 1107.
(3)
مسلم، كتاب الصوم، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته، برقم 1108.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: هَشَشْت (1) فقبَّلت وأنا صائم، فقلت: يارسول الله! صنعت اليوم أمراً عظيمًا، قبَّلْتُ وأنا صائم، قال:((أرأيت لو مَضْمَضْتَ من الماء وأنت صائم؟)) قلت: لا بأس به، قال:((فَمَهْ؟)) (2)(3).
لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل أو نحوه من اللمس وغيره، أو يخشى من التدرج بذلك إلى الجماع؛ لعدم قوته على كبح شهوته؛ لضعف إيمانه وضعف محبته لله تعالى، وضعف خوفه منه، أو غيرذلك، فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ سدَّاً للذريعة، وصوناً لصيامه عن الفساد (4) وعن وقوعه في معصية الله تعالى وإهلاك نفسه وإحراقها؛ ولهذا والله تعالى أعلم نهى النبي صلى الله عليه وسلم شاباً سأله عن المباشرة للصائم، وأَذِنَ لشيخٍ كبير بالقبلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخّص له، وأتاه آخر فسأله؟ فنهاه، فإذا الذي رخّص له شيخ، والذي نهاه شاب)) (5)؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم
(1) هششت: يقال: هش لهذا الأمر يهش هشاشة: إذا فرح به واستبشر وارتاح وخف. [النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 5/ 264].
(2)
فمه: فماذا عليه، والهاء للسكت، ويجوز أن يكون مه، بمعنى اسكت، جامع الأصول، 6/ 300.
(3)
أبو داود، كتاب الصوم، باب القبلة للصائم، برقم 2385، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 65.
(4)
مجالس شهر رمضان، لابن عثيمين، ص 160.
(5)
أبو داود، كتاب الصوم، كراهيته للشاب، برقم،2387، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 65:((حسن صحيح)).