الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه، ولا يختصّ ذلك بالولي، بل كل من قضى عنه
…
أجزأ (1).
النوع التاسع: قضاء صيام الفرض قبل صيام التطوع:
الفرائض أحب إلى الله تعالى من النوافل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: ((من عادى لي وليَّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ ممّا افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه
…
)). الحديث (2).
وهذا الحديث القدسي يدلّ على أن الفرائض هي أحب إلى الله تعالى من النوافل، فظاهره أن محبة الله للعبد تقع بملازمة العبد للفرائض والمحافظة عليها، ودوامه والتزامه التقرب بالنوافل بعد الفرائض (3)، فالواجب على من عليه صيام فرضٍ: من رمضان أو غيره أن يبدأ به قبل صوم النافلة؛ فإن الفرض من الديون الواجبة لله تعالى، وهو في الذمة في الحياة وبعد الممات حتى يقضيه الإنسان في حياته، أو يُقضَى عنه بعد مماته، فعلى هذا يجب أن يقدم على النافلة (4).
(1) الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 507 - 508.
(2)
البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، برقم 6502.
(3)
انظر فتح الباري لابن حجر، 11/ 343.
(4)
اختلف العلماء رحمهم الله في جواز التطوع بالصوم ممن عليه صوم فرض على قولين:
القول الأول: يجوز التطوع بالصيام لمن عليه قضاء رمضان؛ لأنها عبادة تتعلق بوقت موسع، فجاز التطوع بها في وقتها قبل فعلها، وهذا رواية عن أحمد رحمه الله تعالى.
القول الثاني: لا يجوز لمن عليه صوم فرض أن يتطوع حتى يقضيه، يبدأ بالفرض، وإن كان عليه نذر صامه كذلك؛ لأنها عبادة يدخل فيها جبران المال، فلم يجز التطوع بها قبل أداء فرضها كالحج، قال ابن قدامة في الكافي: ((والأول أصح؛ لأن الحج يجب على الفور بخلاف الصيام، وهو رواية عن الإمام أحمد.
وشيخنا ابن باز رحمه الله يختار أن الواجب أن يبدأ بالفرض ثم النفل [انظر: مجموع الفتاوى لابن باز، 15/ 388، 392، 394].
والشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرى بأن القول بجواز صوم التطوع قبل الفرض، هو القول الأظهر والأقرب إلى الصواب، وأن صومه صحيح، ولا يأثم؛ لكن الأولى أن يبدأ بالقضاء، حتى ولو مر عليه عشر ذي الحجة، أو يوم عرفة، فإنه يبدأ بالقضاء؛ لأن القضاء أفضل من تقديم النفل. [الشرح الممتع، 6/ 447 - 448].
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: لا يصلح حتى يبدأ برمضان)) (1).
وهذا يشير إلى أنه رحمه الله يرشد إلى الابتداء بقضاء رمضان قبل
(1) البخاري، كتاب الصوم، باب متى يقضى قضاء رمضان، قبل الحديث رقم 1950، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 4/ 189:((وصله ابن أبي شيبة عنه نحوه، ولفظه: ((لا بأس أن يقضي رمضان في العشر))، وظاهر قوله جواز التطوع بالصوم لمن عليه دين من رمضان إلا أن الأولى له أن يصوم الدين أولاً؛ لقوله:((لا يصلح))، فإنه ظاهر في الإرشاد إلى البداءة بالأهم والآكد، وقد روى عبد الرزاق عن أبي هريرة أن رجلاً قال له: إن عليَّ أياماً من رمضان، أفأصوم العشر تطوعاً؟ قال:((لا، ابدأ بحق الله ثم تطوع ما شئت))، وعن عائشة نحوه، وروى ابن المنذر عن علي أنه نَهَى عن قضاء رمضان في عشر ذي الحجة، وإسناده ضعيف، قال: وروي بإسناد صحيح نحوه عن الحسن والزهري، وليس مع أحد منهم حجة على ذلك، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يستحب ذلك [أي يستحب قضاء رمضان في العشر]. [فتح الباري، 4/ 189].
صيام التطوع في العشر (1).
وأما صيام الست من شوال قبل القضاء من رمضان فلا يُقدِّم صومها على صيام رمضان؛ فإنه لو قدَّم صيامها لم يحصل على ثوابها الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام
الدهر)) (2) وذلك؛ لأن في الحديث ((من صام رمضان))، ومن كان
عليه قضاء فإنه لا يصدق عليه أنه صام رمضان، فلا ستة إلا بعد قضاء رمضان (3).
وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((
…
والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الستّ وغيرها من صيام النفل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من
(1) اختلف في القضاء في عشر ذي الحجة، فروي أنه لا يكره، وهو قول: سعيد بن المسيب والشافعي وإسحاق؛ لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كان يستحب قضاء رمضان في العشر [وتقدم أن الحافظ قال عن أثر عمر هذا: رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح]، قالوا: لأنها أيام عبادة فلا يكره القضاء فيها، كعشر المحرم.
وقيل: يكره القضاء في العشر؛ لاستحباب إخلائها للتطوع؛ لينال فضيلتها ويجعل القضاء في غيرها، وقد تقدم ذكر ابن حجر للآثار في ذلك: عن علي وضعفه، وعن الحسن والزهري بإسناد صحيح، وقال: لاحجة لهم في ذلك، وهاتان الروايتان مبنيتان على الروايتين في إباحة التطوع قبل صوم الفرض وتحريمه. [المغني لابن قدامة، 4/ 402 - 403، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 505، والكافي لابن قدامة، 3/ 253، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 382].
(2)
مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صوم ستة من شوال إتباعاً لرمضان، برقم 1164.
(3)
الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 449.