الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني عشر: مباحات الاعتكاف:
يباح للمعتكف ويجوز له أمور، منها على سبيل المثال الأمور الآتية:
1 -
يباح للمعتكف الخروج من المسجد لكل أمر لابد له منه: طبعاً، أو شرعاً. كقضاء حاجة الإنسان: من البول والغائط، والخروج للأكل والشرب إذا لم يكن له من يحضر ذلك في المسجد، والخروج للوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة، والخروج لصلاة الجمعة، والشهادة الواجبة، والخوف من فتنة [تقع له في نفسه، أو أهله، أو ولده، أو ماله] أو مرض، وخروج الحائض والنفساء، وخروج المرأة التي لزمتها عدة الوفاة (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وفي معنى ذلك كل ما يحتاج إلى الخروج له، وهو ما يخاف من تركه ضرراً في دينه أو دنياه، فيدخل في ذلك الخروج لفعل واجب وترك محرم، وإزالة ضرر، مثل الحيض والنفاس، وغسل الجنابة، وأداء شهادة تعيّنت عليه، وإطفاء حريق، ومرض شديد، وخوف على نفسه من فتنة وقعت، وجهاد تعيّن، وشهود جمعة، وسلطان أحضره، وحضور مجلس حُكْم،
…
وغير ذلك؛ فإنه يجوز له الخروج لأجله ولا يبطل اعتكافه، لكن منه ما يكون في حكم المعتكف إذا خرج بحيث يحسب له من مدة الاعتكاف ولا يقضيه: وهو
(1) انظر: الشرح الكبير والمقنع والإنصاف، 7/ 598، والكافي 2/ 287، والمغني، لابن قدامة،
4/ 465 - 469.
ما لا يطول زمانه، ومنه ما ليس كذلك: وهو ما يطول زمانه
…
)) (1).
وعن عائشة رضي الله عنها، في وصف اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((
…
وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان))،وفي لفظ لمسلم: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارّة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُدْخِل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ إذا كان معتكفاً)) (2).
والخلاصة أنه يجوز للمعتكف أن يخرج في كل أمر لابد له منه (3).
(1) كتاب الصيام من شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 802 - 842، وانظر: الفروع لابن مفلح،
5/ 168 - 176.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتكاف، باب الحائض ترجل رأس المعتكف، برقم 2028، وباب غسل المعتكف، برقم 2030، 2031، وباب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل، برقم 2046، ومسلم واللفظ له، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها، برقم
6 -
(297) و7 - (297).
(3)
اختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله في الخروج: لعيادة المريض، وشهود الجنازة مع عدم الشرط [أي لا يجوز ذلك إلا لمن اشترطه في بداية الاعتكاف] فروي عنه: ليس له فعله، ذكره الخرقي وهو قول عطاء، وعروة ومجاهد والزهري، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ((إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة
…
)). [البخاري، برقم 2028، ومسلم بلفظه، برقم 6 - (297)، ورقم 7 - (297)]، ولقولها الآخر:((السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجةٍ إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجدِ جامع)). [أبو داود، برقم 2473، قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 87: ((حسن صحيح))، فعلى هذه الرواية قالوا: لا يخرج لهذه الأمور إلا أن يشترط. والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن المعتكف له عيادة المريض، وشهود الجنازة ثم يعود إلى معتكفه، نقلها عنه الأثرم، ومحمد بن الحكم، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبه قال سعيد بن جبير، والنخعي، والحسن؛ لقول علي رضي الله عنه: ((إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة، وليعد المريض، وليشهد الجنازة، وليأتِ أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم))، [وهذا لفظ ابن أبي شيبه في المصنف، 3/ 87 - 88، ولفظ عبد الرزاق في مصنفه، 4/ 356، برقم 8049: ((من اعتكف فلا يرفث في الحديث، ولا يُساب، ويشهد الجمعة، والجنازة، وليوص أهله إذا كانت له حاجة وهو قائم))، وعزاه ابن مفلح إلى أحمد بلفظ: ((المعتكف يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويشهد الجمعة))، قال ابن مفلح في الفروع، 5/ 175: ((إسناده صحيح، قال أحمد: عاصم حجة))، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصيام من شرح العمدة، 2/ 805: ((عاصم بن ضمرة عندي حجة))] وعلل من قال بالرواية الأولى فقالوا: لأن هذا ليس بواجب فلا يجوز ترك الاعتكاف الواجب [أي الواجب بالنذر] له، كالمشي في حاجة أخيه؛ ليقضيها، فإن تعينت عليه صلاة الجنازة فأمكنه فعلها في المسجد لم يخرج إليها، وإن لم يمكنه ذلك فله الخروج إليها، وإن تعين عليه دفن الميت أو تغسيله أو تكفينه أو الصلاة عليه، أو حمله فله الخروج لذلك، ويقدم على الاعتكاف كصلاة الجمعة. قالوا: فأما إن كان تطوعاً فأحب الخروج منه لعيادة المريض أو شهود جنازة
…
جاز لأن كل واحد منهما تطوع، فلا يتحتم واحد منهما، لكن الأفضل المقام على اعتكافه، فإن شرط ذلك في الاعتكاف فله فعله واجباً كان الاعتكاف أو تطوعاً. هذا كله على الرواية الأولى.
أما الرواية الثانية فلا يحتاج إلى شيء من ذلك. [انظر: الشرح الكبير والإنصاف مع المقنع،
7/ 609 - 611،وكتاب الصيام من شرح العمدة لابن تيمية،2/ 750،و 2/ 804 - 809، وكتاب الفروع لابن مفلح،5/ 137وَ 5/ 175 - 176]، [والمغني لابن قدامة،4/ 469 - 471].
والذي يرجح الرواية الثانية، أنه قال بها عليٌّ رضي الله عنه وهو من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعهم.
وعلى القول بالرواية الأولى فهل الاشتراط له دليل؟ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 6/ 524:((ليس هناك دليل واضح في المسألة إلا قياساً على حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، حيث جاءت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم:إنها تريد الحج وهي شاكية، فقال لها: ((حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني))،ولفظ النسائي:((قولي: لبيك اللهم لبيك ومحلِّي من الأرض حيث حبستني؛ فإن لك على ربك ما استثنيت))، [البخاري، برقم 5089،ومسلم، برقم 1207،والنسائي، برقم 2765] قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الصيام من شرح العمدة، 2/ 809:((فإذا كان الإحرام الذي هو ألزم العبادات بالشروع يجوز مخالفة موجبه بالشرط فالاعتكاف أولى))، وقد جاء آثار في الاشتراط عن السلف ذكر بعضها الترمذي إثر حديث رقم 805، وابن أبي شيبة في المصنف، 3/ 87 - 88، وعبد الرزاق في المصنف، 4/ 356 - 358]، ومن هذه الآثار ما أخرجه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا هيثم عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: ((كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال، وهي له وإن لم يشترط: عيادة المريض، وأن يتبع الجنازة، ويشهد الجمعة
…
))، [مصنف ابن أبي شيبة، 3/ 88]، [وسعيد بن منصور في سننه كما في الفروع، لابن مفلح، 5/ 176]. وقال الشيخ زائد بن أحمد النثيري في تحقيقه لكتاب الصيام من شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 807:((إسناده صحيح))، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كلامه على عيادة المريض، واتباع الجنازة للمعتكف: ((
…
فإن هذا خروج لحاجة لا تتكرر في الغالب، فلم يخرج به عن كونه معتكفاً كالواجبات، وذلك أن عيادة المريض من الحقوق التي تجب للمسلم على المسلم
…
وإن تعين عليه الصلاة على الجنازة وأمكنه فعلها في المسجد لم يجز الخروج إليها، وإن لم يمكنه فله الخروج إليها، وكذلك يخرج لتغسيل الميت، وحمله، ودفنه إذا تعين عليه، وأما إذا شرط ذلك فيجوز في المنصوص المشهور
…
))، [كتاب الصيام من شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 808 - 809].
والله تعالى أعلم (1).
(1) قال شيخ الإسلام: ((وقسموا الخروج ثلاثة أقسام)):
القسم الأول: ما يجوز بالشرط ودونه ولا يبطل الاعتكاف، وهو الخروج لما لابد منه: من قضاء الحاجة، والمرض [والوضوء الواجب، والغسل الواجب لجنابة أو غيرها، والأكل والشرب، فهذا جائز إن لم يمكن فعله في المسجد، فإن أمكن فعله، فلا.
القسم الثاني: ما لا يجوز الخروج إليه إلا بشرط: وهو عيادة المريض، وزيارة الوالد، واتباع الجنازة [وهو الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه، فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه، فلا بأس به].
القسم الثالث: ما لا يجوز الخروج إليه لا بشرط ولا بغير شرط، ومتى خرج إليه بطل اعتكافه [كالخروج للبيع والشراء في الأسواق، والخروج لجماع أهله، فلا يفعله لا بشرط ولا بغير شرط]. [انظر: كتاب الصيام من شرح العمدة، لابن تيمية، 2/ 810، ومجالس شهر رمضان، لابن عثيمين، ص245 - 246].
2 -
يباح له الوضوء في مكان في المسجد؛ لحديث أبي العالية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((حفظت لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ في المسجد))، وهذا لفظ أحمد أما البيهقي فبلفظ:((توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً)) (1).
3 -
يتخذ خيمة صغيرة في مكانٍ في المسجد، وله النوم فيها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباءً آخر
…
))، وفي لفظ للبخاري: أن عائشة استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم ((فأذن لها فضربت فيه قبة))، فسمعت بها حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى)) (2)، وقد ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوَّل من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط في قبةٍ تركية)) (3).
4 -
لا بأس أن يلزم المعتكف مكاناً من المسجد؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان))، زاد
(1) أحمد في المسند، 5/ 364، والبيهقي، 4/ 322 قال العوايشة في الموسوعة الفقهية الميسرة:
3/ 360: ((أخرجه البيهقي بسند جيد، وأحمد مختصراً بسند صحيح)).
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 2033، ومسلم، برقم 1173، وتقدم تخريجه في اعتكاف النساء.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 2016، ومسلم بلفظه، برقم 215 - (1167) وتقدم تخريجه في ليلة القدر في السبع الأواخر.
مسلم، وأبو داود، وابن ماجه:((قال نافع وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد)) (1).
5 -
محادثة الرجل أهله وزيارتهم له، وخروجه معهم يقلبهم إلى بيتهم عند الحاجة لذلك؛ لحديث صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدَّثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أمِّ سلمة مرّ رجلان من الأنصار فسلمَّا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم:((على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي))، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكَبُرَ عليهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً))، وفي لفظ للبخاري: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم
…
))، وفي رواية:((أن ذلك كان ليلاً))، وفي رواية:((وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد))، وفي رواية: ((فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت
…
))، وفي لفظ:((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))، وفي رواية لمسلم:((فأتيته أزوره ليلاً))، وفيه:((لما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا))، وفي رواية لمسلم: ((وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 2025، ومسلم، برقم 1171، وتقدم تخريجه في حكم الاعتكاف، وأما الزيادة، فهي في سنن أبي داود، كتاب الصوم، باب أين يكون الاعتكاف، برقم 2465، وابن ماجه، كتاب الصيام، باب في المعتكف يلزم مكاناً من المسجد، برقم 1773، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 86، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 91.
شراً))، أو قال:((شيئاً)) (1).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وفي الحديث من الفوائد: جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة: من تشييع زائره، والقيام معه، والحديث مع غيره، وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف)) (2).
6 -
يباح للمرأة المستحاضة أن تعتكف في المسجد، لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فرُبَّما وضعت الطست تحتها من الدم))، وفي لفظ:((اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه، فكانت ترى الدم والصفرة والطست تحتها))، وفي لفظ:(( .. فكانت ترى الحمرة، والصفرة، فرُبَّما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي)) (3)، ولكن لابد من المحافظة على نظافة المسجد، فتَتَّحَفَّظُ المرأةُ المستحاضة حتى لا تلوِّث المسجد.
7 -
الأكل والشرب في المسجد؛ لحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزُّبيدي قال: ((كُنّا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد: الخبز
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتكاف، بابُ هل يخرج المعتكف إلى حوائجه إلى باب المسجد؟ برقم 2035، وباب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، وباب هل يدرأ المعتكف عن نفسه؟ وفي الأطراف رقم 3101، وَ 3281، 6219، 7171، ومسلم، كتاب السلام، باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة وكانت زوجة أو محرماً له أن يقول: هذه فلانة؛ لدفع ظن السوء، برقم 2174، ورقم 2175.
(2)
فتح الباري، لابن حجر، 4/ 280.
(3)
البخاري، كتاب الحيض، باب اعتكاف المستحاضة، برقم 309، ورقم 310، وكتاب الاعتكاف، باب اعتكاف المستحاضة، برقم 2037.