الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما
[2015]
عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَت: وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبرِيلُ فِي سَاعَةٍ يَأتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَت تِلكَ السَّاعَةُ وَلَم يَأتِهِ، وَفِي يَدِهِ عَصًا، فَأَلقَاهَا مِن يَدِهِ وَقَالَ: مَا يُخلِفُ اللَّهُ وَعدَهُ وَلَا رُسُلُهُ. ثُمَّ التَفَتَ فَإِذَا جِروُ كَلبٍ تَحتَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هَذَا الكَلبُ هَاهُنَا؟ فَقَالَت: وَاللَّهِ مَا دَرَيتُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخرِجَ، فَجَاءَ جِبرِيلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاعَدتَنِي فَجَلَستُ لَكَ فَلَم تَأتِ؟ فَقَالَ: مَنَعَنِي الكَلبُ الَّذِي فِي بَيتِكَ، إِنَّا لَا نَدخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلبٌ وَلَا صُورَةٌ.
رواه أحمد (6/ 142)، ومسلم (2104)، وابن ماجه (3651).
ــ
(15)
ومن باب قوله: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة).
الملائكة هنا - وإن كان عمومًا - فالمراد به الخصوص، فإنَّ الحفظة ملازمة للإنسان. هكذا قاله بعض علمائنا. والظاهر العموم، والمخصص ليس نصًّا. وكذلك قوله: كلب، وصورة؛ كلاهما للعموم؛ لأنَّهما نكرتان في سياق النفي. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد به: الكلاب التي لم يؤذن في اتخاذها، فيستثنى من ذلك: كلب الصيد، والماشية والزرع. وأما الصورة: فيراد بها التماثيل من ذوات الأرواح. ويستثنى من ذلك الصورة المرقومة، كما نصَّ عليه في الحديث، على ما يأتي.
وإنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه التمثال؛ لأن متخذها في بيته قد
[2016]
ومن حديث ميمونة نحوه، وفيه: فَأَمَرَ بِهِ فَأُخرِجَ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ.
وفيه: فَأَصبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَئِذٍ فَأَمَرَ بِقَتلِ الكِلَابِ،
ــ
تشبَّه بالكفار الذين يتخذون الصور في بيوتهم، ويُعظمونها، فكرهت الملائكة ذلك منه، فلم تدخل بيته هجرانًا له، وغضبًا عليه. واختلف في المعنى الذي في الكلب المانع للملائكة من الدخول. فذهبت طائفة: إلى أنَّه النجاسة. وهو من حجج من قال بنجاسة الكلب. وتأيد في ذلك بنضحه صلى الله عليه وسلم موضع الكلب.
قلت: وهذا ليس بواضح، وإنما هو تقدير احتمال يعارضه احتمالات أخر:
أحدها: أنها من الشياطين، كما جاء في بعض الحديث.
وثانيها: استخباث روائحها، واستقذارها.
وثالثها: النجاسة التي تتعلق بها؛ فإنَّها تأكلها وتتلطخ بها، فتكون نجسة بما يتعلق بها، لا لأعيانها. والمخالف يقول: هي نجسة الأعيان. وعلى ما قلناه: يصح أن يقال: إنَّه صلى الله عليه وسلم شك في طهارة موضعه؛ لإمكان أن يكون أصابه من النجاسة اللازمة لها غالبًا شيء، فنضحه؛ لأنَّ النضح طهارة للمشكوك فيه، فلو تحقق إصابة النجاسة الموضع لغسله؛ كما فعل ببول الأعرابي، ولو كان الكلب نجسًا لعينه، لا لما يتعلق به: لما احتاج إلى غسله، كما لا يحتاج إلى غسل الموضع أو الثوب الذي يكون عليه عظم ميتة، أو نجاسة لا رطوبة فيها. وعلى هذا: فهذا الاحتمال أولى أن يعتبر، فإن لم يكن أولى فالاحتمالات متعارضة، والدَّست قائم، ولا نصّ حاكم.
و(قوله: فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب) كذا رواه جميع الرواة: فأصبح، فأمر، مرتبًا بفاء التَّسبيب، فيدل ذلك: على أن أمره بقتل الكلاب في ذلك اليوم كان لأجل امتناع جبريل من دخول بيته. ويحتمل أن يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرناه؛ وهو: أن ذلك إنما كان لينقطعوا عما كانوا ألفوه من
حَتَّى إِنَّهُ يَأمُرُ بِقَتلِ كَلبِ الحَائِطِ الصَّغِيرِ، وَيَترُكُ كَلبَ الحَائِطِ الكَبِيرِ.
رواه أحمد (6/ 330)، ومسلم (2105)، وأبو داود (4157)، والنسائي (7/ 186).
[2017]
وعن بُسرَ بنَ سَعِيدٍ: أَنَّ زَيدَ بنَ خَالِدٍ الجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسرٍ عُبَيدُ اللَّهِ الخَولَانِيُّ: أَنَّ أَبَا طَلحَةَ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَدخُلُ المَلَائِكَةُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ. قَالَ بُسرٌ: فَمَرِضَ زَيدُ بنُ خَالِدٍ، فَعُدنَاهُ؛ فَإِذَا نَحنُ فِي بَيتِهِ بِسِترٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلتُ لِعُبَيدِ اللَّهِ الخَولَانِيِّ: أَلَم يُحَدِّثنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: إِلَّا رَقمًا فِي ثَوبٍ، أَلَم تَسمَعهُ؟ قُلتُ: لَا، قَالَ: بَلَى، قَد ذَكَرَ ذَلِكَ.
ــ
الأنس بالكلاب، والاعتناء بها، واتخاذها في البيوت، والمبالغة في إكرامها. وإذا كان كذلك كثرت، وكثر ضررها بالناس من الترويع والجرح، وكثر تنجيسها للديار، والأزقة، فامتنع جبريل من الدخول لأجل ذلك، ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بقتل الكلاب، فانزجر الناس عن اتخاذها، وعما كانوا اعتادوه منها. والله تعالى أعلم.
وفيه من الفقه: أن الكلاب يجوز قتلها لأنها من السِّباع، لكن لما كان في بعضها منفعة، وكانت من النوع المتأنس سومح فيما لا يضر منها.
و(قوله: حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير) هذا يدلّ على جواز اتخاذ ما ينتفع به من الكلاب في حفظ الحوائط، وغيرها. ألا ترى: أن الحائط الكبير لما كان يحتاج إلى حفظ جوانبه ترك له كلبه، ولم يقتله، بخلاف الحائط الصغير منها، فإنَّه أمر بقتل كلبه؛ لأنَّه لا يحتاج الحائط الصغير إلى كلب، فإنَّه ينحفظ من غير كلب لقرب جوانبه.
وقول بسر لعبيد الله الخولاني: (ألم يحدثنا في التصاوير؟ ) يعني: زيد بن
رواه أحمد (4/ 28)، والبخاريُّ (3226)، ومسلم (2106)(86)، والنسائي (8/ 212).
* * *
ــ
خالد، وذلك: أنَّه لما دخل منزل زيد فرأى الستر فيه صور ذكر بسر عبيد الله الخولاني بالحديث الذي حدثهم به زيد عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة) وكان أبو طلحة قد ذكر مع ذلك - متصلًا به - قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا ما كان رقمًا في ثوب) فاستثنى المرقوم من الصور. فحصل منه: أن الملائكة لا تمتنع من دخول بيت فيه صورة مرقومة. ومن هنا: فهم القاسم بن محمد جواز اتخاذها في البيوت (1) مطلقًا، كما حكيناه عنه ترجيحًا لهذا الحديث على حديث عائشة، أو نسخًا له، وفيه بُعدٌ.
والجمهور على المنع. فمنهم من منعه تحريمًا، وهو مذهب ابن شهاب ترجيحًا لحديث عائشة على حديث زيد، والجمهور حملوه على الكراهة، وهو الأولى إن شاء الله؛ إذ ليس نصًّا في التحريم، فأقل ما يحمل ما ظهر منه على الكراهة. وحديث زيد لا يقتضي الجواز، وإنَّما مقتضاه: أن الملائكة تدخل البيت الذي فيه الصور المرقومة بخلاف الصور ذوات الظل؛ فإنَّها لا تدخل بيتا هي فيه. وهذا وجه حسن؛ غير أنَّه تكدَّر بما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل عليه السلام فقال لي: أتيتك البارحة، فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام فيه صور، وكان في البيت كلب) وذكر الحديث (2). وهذا يدلّ دلالة واضحة أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة مرقومة، وعند هذا يتحقق التعارض. والمخلِّص منه
(1) كذا في جميع النسخ، وفي (ز): الثوب.
(2)
رواه أبو داود (4158).