المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

[2068]

عَن جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن نَظَرة الفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَن أَصرِفَ بَصَرِي.

رواه أحمد (4/ 358)، ومسلم (2159)(45)، وأبو داود (2148)، والترمذيُّ (2776).

ــ

مطلع كيفما كان، ومن أي جهة كان. بل: يتعيَّن أن يقال: إن الشرع إذا علَّق هذا الحكم على الاطلاع في البيت؛ لأنه مظنة الاطلاع على العورة، فلأن يعلق على نفس الاطلاع على العورة أحرى، وأولى، وهذا نظر راجح، غير أن أصحابنا حكوا الإجماع على أن من اطلع على عورة رجل بغير إذنه، ففقأ عينه: أنه لا يسقط عنه الضمان، كما ذكرناه. فإن صح هذا الإجماع، فهو واجب الاتباع. وإن وجد خلاف فما ذكرناه هو الإنصاف.

(9 و 10) ومن باب: نظر الفجأة وتسليم الراكب على الماشي (1)

قوله: (سألته عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري) الفجاءة: بضم الفاء والمدِّ والهمز: مصدر فجأني الأمر يفجؤني فُجاءَة: إذا صادفك بغتة من غير قصد. ومنه: قَطَرِي بن الفجاءة؛ اسم رجل. ويقال: فاجأني، يفاجئني، مفاجأةً، وفجاء. وإنما أمره أن يصرف بصره عن استدامة النظر إلى ما وقع عينه عليه أول

(1) شرح القرطبي رحمه الله تحت هذا العنوان أيضًا ما أشكل في باب: حق المسلم على المسلم.

ص: 482

[2069]

وعن أَبي هُرَيرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى القَاعِدِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ.

رواه أحمد (2/ 510)، والبخاريُّ (6232 و 6233)، ومسلم (2160)، وأبو داود (5198 و 5199)، والترمذيُّ (2704 و 2705).

ــ

مرة؛ وإنما لم يتعرض لذكر الأولى؛ لأنَّها لا تدخل تحت خطاب تكليف؛ إذ وقوعها لا يتأتى أن يكون مقصودًا، فلا تكون مكتسبة، فلا يكون مكلفًا بها، فأعرض عما ليس مكلَّفًا به، ونهاه عما يُكلَّف به؛ لأنَّ استدامة النظر مكتسبة للإنسان؛ إذ قد يستحسن ما وافقه بصره، فيتابع النظر، فيحصل المحذور - وهو النظر إلى ما لا يحل -. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:(لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية)(1).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يُسلِّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير) قد تقدَّم الأمر بالسلام، وبإفشائه في كتاب الإيمان، ولا خلاف بين العلماء في أن الابتداء بالسلام سُنَّة، وأن الرد واجب، قاله أبو محمد عبد الوهاب. وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء: على أنَّ الابتداء بالسَّلام سُنَّة والردُّ فريضة. غير أن أبا عبد الله المازري قال: الابتداء بالسَّلام سُنَّة والردُّ واجب في المشهور؛ فإذا ردَّ واحدٌ من الجماعة أجزأ عنهم، ثمَّ إن الناس في الابتداء بالسَّلام إما أن تتساوى أحوالهم، أو تتفاوت. فإن تساوت فخيرهم الذي يبدأ صاحبه بالسلام: كالماشي على الماشي، والراكب على الراكب، غير أن الأولى مبادرة ذوي المراتب الدينية، كأهل العلم، والفضل احترامًا لهم، وتوقيرًا، وأما ذوي المراتب الدنيوية المحضة فإنَّ سلَّموا يردَّ عليهم، وإن ظهر عليهم إعجاب، أو كبر فلا يُسلَّم عليهم؛ لأنَّ ذلك معونة لهم على المعصية، وإن لم يظهر ذلك عليهم جاز أن يُبدؤوا بالسَّلام، وابتداؤهم هم بالسلام أولى بهم؛ لأنَّ ذلك يدلّ على

(1) رواه الحاكم (2/ 194).

ص: 483

[2070]

وعن أبي طَلحَةَ قال: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفنِيَةِ نَتَحَدَّثُ، فَجَاءَ

ــ

تواضعهم، وإن تفاوتت فالحكم فيها على ما يقتضيه هذا الحديث، فيبدأ الراكب بالسَّلام على الماشي لعلوِّ مرتبته؛ لأنَّ ذلك أبعد له من الزهو. وأمَّا الماشي: فقد قيل فيه مثل ذلك، وفيه بُعد؛ إذ الماشي لا يزهى بمشيه غالبًا. وقيل: هو معلل: بأن القاعد قد يقع له خوف من الماشي؛ فإذا بدأه بالسَّلام أمن من ذلك، وهذا أيضًا بعيد؛ إذ لا خصوصية للخوف بالقاعد، فقد يخاف الماشي من القاعد، وأشبه من هذا أن يقال: إن القاعد على حال وقار وثبوت وسكون، فله مزيَّة على الماشي بذلك؛ لأنَّ حاله على العكس من ذلك. وأما ابتداء القليل بالسَّلام على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم.

وقد زاد البخاري في هذا الحديث: (ويسلم الصغير على الكبير) وهذه المعاني التي تكلَّف العلماء إبرازها هي حكم تناسب المصالح المحسِّنة والمكمِّلة، ولا نقول: إنها نصبت نصب العلل الواجبة الاعتبار، حتى لا يجوز أن يعدل عنها، فنقول: إن ابتداء القاعد للماشي غير جائز، وكذلك ابتداء الماشي الراكب، بل يجوز ذلك؛ لأنَّه مُظهر للسَّلام، ومفشٍ له كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(أفشوا السَّلام بينكم)(1)، وبقوله:(إذا لقيت أخاك فسلم عليه)(2) وإذا تقرر هذا فكل واحد من الماشي والقاعد مأمور بأن يسلِّم على أخيه إذا لقيه، غير أن مراعاة تلك المراتب أولى، والله أعلم.

ثم هذا السَّلام المأمور به، وهو أن يقول: السَّلام عليكم، أو: سلامٌ عليكم؛ إذ قد جاء اللفظان في الكتاب والسنة. والسلام في الأصل بمعنى: السلامة، كاللذاذ واللذاذة، كما قال تعالى:{فَسَلامٌ لَكَ مِن أَصحَابِ اليَمِينِ} أي: فسلامةٌ؛ فعلى هذا يكون معنى قول المسلم (سلام عليك)

(1) رواه مسلم (54) من حديث أبي هريرة.

(2)

رواه أبو داود (5200).

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أي: سلامةٌ لك مني وأمان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(السلام أمان لذمتنا، وتحيَّة لملتنا)(1) والسَّلام أيضًا: اسم من أسماء الله تعالى، كما قال تعالى:{السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ} ومعناه في حق الله تعالى: أنه المنزه عن النقائص والآفات التي تجوز على خلقه. وعلى هذا: فيكون معنى قول المسلم: السلام عليك؛ أي: الله مطلع عليك، وناظر إليك، فكأنَّه يذكره باطلاع الله تعالى، ويخوفه به ليأمن منه، ويُسلِّمُه من شرِّه، فإذا دخلت الألف واللام على المعنى الأول كان معناه: السلامة كلها لك مني، وإذا أدخلت على اسم الله تعالى: كانت تفخيمًا وتعظيمًا؛ أي: الله العظيم السليم من النقائص، والآفات، المسلِّم لمن استجار به من جميع المخلوقات. ويقال في السَّلام: سِلمٌ - بكسر السين - قال الشاعر:

وقفنا فقُلنا إيهِ سِلمًا فسلَّمَت

كما انكَلَّ بالبَرقِ الغَمَامُ اللَّوائِحُ

ولا يقل المبتدئ: عليك السَّلام، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه النِّسائي، وأبو داود من حديث جابر بن سليم قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السَّلام، يا رسول الله! فقال:(عليك السلام تحية الميت، السلام عليك - ثلاثا -)(2) أي: هكذا فقل.

و(قوله: عليك السَّلام تحيَّة المَيِّت) يعني أنه الأكثر في عادة الشعراء، كما قال:

عليك سلام الله قيسُ بن عاصمٍ

ورَحمَتُه ما شاء أن يَتَرحَّما

لا أن ذلك اللفظ هو المشروع في حق الموتى؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم قد سلَّم على الموتى،

(1) رواه الطبراني في الصغير (1/ 75)، والخطيب في تاريخه (4/ 396)، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 79) وفيه عصمة بن محمد الأنصاري، قال يحيى ابن معين: عصمة كذاب يضع الحديث.

(2)

رواه أبو داود (5209)، والترمذي (2723)، والنسائي (9694) في الكبرى.

ص: 485

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَينَا، فَقَالَ: مَا لَكُم وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ؟ اجتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ. فَقُلنَا: إِنَّمَا قَعَدنَا لِغَيرِ مَا بَأسٍ، قَعَدنَا نَتَذَاكَرُ

ــ

كما سلَّم على الأحياء، فقال:(السَّلام عليكم دار قومٍ مؤمنين)(1) ويتأكد تقديم لفظ السَّلام إذا تنزلنا على أن اسم السَّلام من أسماء الله تعالى، فإنَّ أسماءه تعالى أحقُّ بالتقديم. وأما الرادُّ: فالواجب عليه أن يردَّ ما سمعه، والمندوب أن يزيد إن بقَّى له المبتدئ ما يزيد، فلو انتهى المبتدئ بالسلام إلى غايته؛ التي هي: السَّلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ لم يزد الرادُّ على ذلك شيئًا؛ لأنَّ السلام انتهى إلى البركة، كما قال عبد الله بن عباس. وقد أنكر عبد الله بن عمر على من زاد على ذلك شيئًا، وهذا كلُّه مستفادٌ من قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ مِنهَا أَو رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا} أي: يحاسب على الأقوال كما يحاسب على الأفعال.

و(قوله: ما لكم ولمجالس الصُّعدات، اجتنبوا مجالس الصُّعدات) الصُّعدات: جمع صعيد، وهو الطريق مطلقًا. وقيل: الطريق الذي لا نبات فيه؛ مأخوذ من الصعيد، وهو: التراب على قول الفرَّاء، أو وجه الأرض على قول ثعلب. ويجمع: صُعُدا، وصعدات، كطرق وطرقات. وقد جاء الصعيد في الرواية الأخرى مفسَّرًا بالطريق. وهذا الحديث إنكارٌ للجلوس على الطرقات، وزجرٌ عنه، لكن محمله على ما إذا لم ترهق إلى ذلك حاجة، كما قالوا: ما لنا من ذلك بُدٌّ؛ نتحدَّث فيها. لكن العلماء فهموا: أن ذلك المنع ليس على جهة التحريم، وإنَّما هو من باب سدِّ الذرائع، والإرشاد إلى الأصلح، ولذلك قالوا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدَّث؛ أي: نتذاكر العلم والدين، ونتحدَّث بالمصالح والخير، ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك، وتحقَّق حاجتهم إليه؛ أباح لهم ذلك، ثم

(1) رواه أحمد (2/ 300 و 408)، ومسلم (249)، والنسائي (1/ 93، 95)، وابن ماجه (4306).

ص: 486

وَنَتَحَدَّثُ، فقَالَ: إِمَّا لَا، فَأَدُّوا حَقَّهَا: غَضُّ البَصَرِ، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَحُسنُ الكَلَامِ.

رواه أحمد (4/ 3)، ومسلم (2161).

[2071]

وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِيَّاكُم وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَنَا بُدٌّ مِن مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فإِذَا أَبَيتُم إِلَّا المَجلِسَ، فَأَعطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ.

ــ

نبَّههم على ما يتعين عليهم في مجالسهم تلك من الأحكام.

و(قوله: إمَّا لا) هي: (إن) الشرطية المكسورة زيدت عليها (ما) تأكيدًا للشرط، و (لا) عبارة عن الامتناع والإباية، فكأنَّه قال: إن كان ولا بُدَّ من إبايتكم، ولا غنى لكم عن قعودكم فيها؛ فأعطوا الطريق حقَّها. فلمَّا سمعوا لفظ الحق - وهو مجمل - سألوا عن تفصيله، ففصَّله لهم بقوله صلى الله عليه وسلم:(غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السَّلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهذه الحقوق كلها واجبة على من قعد على طريق. ولما كان القعود على الطريق يُفضي إلى أن تتعلق به هذه الحقوق، ولعلَّه لا يقوم ببعضها فيتعرَّض لذمِّ الله تعالى ولعقوبته كره القعود فيها، وغلَّظ بالزجر المتقدِّم، والإنكار، فإن دعت إلى ذلك حاجة، كالاجتماع في مصالح الجيران، وقضاء حوائجهم، وتفقد أمورهم، إلى غير ذلك، قعد على قدر حاجتهم، فإن عرض له شيء من تلك الحقوق وجب القيام به عليه.

و(كف الأذى) يعني به: لا يؤذي بجلوسه أحدًا من جلسائه بإقامته من مجلسه ولا بالقعود فوقه، ولا بالتضييق عليه، ولا يجلس قبالة دار جاره، فيتأذى بذلك. وقد يكون كفُّ الأذى: بأن يكف بعضهم عن بعض، إلا أن هذا يدخل في قسم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فحمله على المعنى الأول أولى.

و(قوله: وحسن الكلام) يريد أن من جلس على الطريق فقد تعرض لكلام الناس، فليحسِّن لهم كلامه، ويصلح شأنه.

ص: 487