الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
[1951]
عَن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إن الَّذِي يأكل أو يَشرَبُ فِي آنِيَةِ الذهب والفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرجِرُ فِي بَطنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ.
رواه أحمد (6/ 300)، والبخاريُّ (5634)، ومسلم (2065)، وابن ماجه (3413).
ــ
(21)
ومن باب: النَّهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة
(قوله صلى الله عليه وسلم: الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) يروى برفع: نار، ونصبه. فمن رفع حمل (يجرجر) على: يصوِّت. والجرجرة: الصوت الضعيف المتراجع، كصوت حركة اللِّجام في فم الفرس. يقال: جرجر الفرس: إذا حرَّك فمه باللجام. ومن نصبه حمله على معنى: يتجرع.
وهذا الحديث دليلٌ على تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب، ويلحق بهما ما في معناهما مثل: التطيب، والتكحل، وما شابه ذلك. وبتحريم ذلك قال جمهور العلماء سلفًا وخلفًا. وروي عن بعض السلف إباحة ذلك. وهو خلاف شاذٌّ مطرح للأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا الباب.
ثم اختلف العلماء في تعليل المنع. فقيل: إن التحريم راجع إلى عينهما. وهذا يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: (هي لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة). وقيل: ذلك معلل بكونهما رؤوس الأثمان، وقيم المتلفات؛ فإذا اتخذ منهما الأواني قلت في أيدي الناس، فيجحف ذلك بهم. وهذا كما حُرّم فيهما ربا الفضل. وقد حسَّن الغزالي هذا المعنى، فقال: إنهما في الوجود كالحكام الذين حقهم أن يتصرفوا في الأقطار ليظهروا العدل، فلو منعوا من التصرُّف والخروج للناس لأخل ذلك بهم، ولم يحصل عدل في الوجود. وصياغة الأواني من الذهب والفضة حبس لهما عن
[1952]
وعن عَبد الرَّحمَنِ بن أَبِي لَيلَى قَالَ: استَسقَى حُذَيفَةُ فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فِي إِنَاءٍ مِن فِضَّةٍ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَلبَسُوا الحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَشرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَا تَأكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُم فِي الدُّنيَا.
وفي رواية: وهي لكم في الآخرة.
رواه أحمد (5/ 397)، والبخاريُّ (5837)، ومسلم (2067)(4 و 5)، وأبو داود (3723)، والترمذي (1878)، والنسائي (8/ 198 و 199)، وابن ماجه (3414).
* * *
ــ
التصرُّف الذي ينتفع به الناس. وقيل: إن ذلك معلل بالسَّرف، والتشبُّه بالأعاجم.
قلت: وهذا التعليل ليس بشيء؛ لأنَّه يلزم عليه أن يكون اتخاذ تلك الأواني، واستعمالها مكروهًا؛ لأنَّ غاية السَّرف والتشبه بالأعاجم أن يكون مكروها، والتهديد الذي اشتمل عليه الحديث المتقدِّم مفيدٌ للتحريم لا للكراهة.
وكل ما ذكرناه من التحريم إنما هو في الاستعمال، وأما اتخاذ الأواني من الذهب والفضة من غير استعمال: فمذهبنا، ومذهب جمهور العلماء: أن ذلك لا يجوز. وذهبت طائفة من العلماء: إلى جواز اتخاذها دون استعمالها.
وفائدة هذا الخلاف بناء الخلاف عليه في قيمة ما أفسد منها، وجواز الاستئجار على عملها، فمن جوَّز الاتخاذ، قوَّم الصياغة على مفسدها، وجوَّز أخذ الأجرة عليها. ومن منع الاتخاذ؛ منع هذين الفرعين.
فأمَّا ما ضبب من الأواني بذهب، أو فضة، أو كانت فيه حلقة من ذهب أو فضة: فذهب الجمهور إلى كراهة استعمال ذلك، وأجازه أبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق إذا لم يجعل فمه على التضبيب، أو الحلقة. وروي أيضًا مثله عن بعض السلف. قالوا: وهو كالعلم في الثوب، والخاتم في اليد يشرب به. وقد استحب بعض العلماء الحلقة دون التضبيب.