الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب
[2025]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَصحَبُ المَلَائِكَةُ رُفقَةً فِيهَا كَلبٌ وَلَا جَرَسٌ.
رواه أحمد (2/ 263 و 311)، ومسلم (2113)، وأبو داود (2555)، والترمذيُّ (1703).
ــ
(18)
ومن باب الأجراس والقلائد في أعناق الدَّواب
قوله: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس) يفهم من هذا الحديث، ومما تقدَّم: أن مقصود الشرع مباعدة الكلاب، وألا تتخذ في حضر، ولا سفر، وذلك للعلل التي تقدَّم ذكرها. وهو حجَّة لمن منع اتخاذ الكلب لحراسة الدواب والأمتعة من السُّرَّاق في الأسفار. وهو قول أصحاب مالك، وأجاز هشام بن عروة اتخاذها لحراسة البقر من السليلة (1).
قلت: والظاهر أن المراد بالكلب هنا غير المأذون في اتخاذه كما تقدَّم؛ لأن المسافر قد يحتاج إلى حفظ ماشية دوابه، وإبله، وغير ذلك، فيضطر إلى اتخاذها كما يضطر إليها في الحضر لزرعه وضرعه.
و(الجرس): ما يعلَّق في أعناق الإبل مما له صلصلة، والذي يضرب به، وهو بفتح الراء، وجمعه: أجراس. فأمَّا: الجرس، فهو: الصوت الخفي. يقال بفتح الجيم وكسرها.
وفيه ما يدلّ على كراهة اتخاذ الأجراس في الأسفار، وهو قول مالك وغيره.
(1) سلَّ الشيء: سرقه، والسالُّ: السارق. والسُّلَّة: السرقة الخفية، وقد جاء في (ل 1): السُّلَّة بدل السليلة.
[2026]
وعنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيطَانِ.
رواه أحمد (2/ 372)، ومسلم (2114)، وأبو داود (2556).
[2027]
وعن أبي بَشِيرٍ الأَنصَارِيَّ: أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعضِ أَسفَارِهِ، قَالَ: فَأَرسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا، قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ أَبِي بَكرٍ: حَسِبتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِم، لَا يَبقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِن وَتَرٍ - أَو قِلَادَةٌ - إِلَّا قُطِعَت.
قَالَ مَالِكٌ: أُرَى ذَلِكَ مِن العَينِ.
ــ
قلت: وينبغي ألا تقصر الكراهة على الأسفار، بل هي مكروهة في الحضر أيضًا، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(الجرس مزامير الشيطان) ومزامير الشيطان مكروهة سفرًا وحضرًا، ثمَّ: هذا يعم الكبير والصغير منها. وقد فرَّق بعض الشاميين، فأجازوا الصغير، ومنعوا الكبير. ووجه الفرق: أن الكبير به يقع التشويش على الناس، وبه تحصل المشابهة بالنصارى، فإنَّهم يستعملون النواقيس في سفرهم وحضرهم.
[و (قوله: تماثيل أو صور)](1) يحتمل أن يكون هذا شكًّا من بعض الرواة، ويحتمل أن يريد بالتماثيل: ما كان قائم الشخص، وبالصور: ما كان رقمًا، ويكون (أو) بمعنى: الواو، أو تكون للتوسيع. والله تعالى أعلم.
و(قوله: لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت) يعني بالوتر: وتر القوس. ولا معنى لقول من قال: إنَّه يعني بذلك: الوتر الذي هو الذحل، وهو طلب الثَّأر، لبعده لفظًا ومعنى.
وقول مالك: أرى ذلك من العين؛ يعني: أنهم كانوا يتعوذون بتعليق أوتار
(1) ما بين حاصرتين لا علاقة له بأحاديث هذا الباب، وإنما هو من أحاديث الباب السابق في صحيح مسلم برقم (2112)(102) ولم يُورده المؤلف رحمه الله في التلخيص.
رواه البخاريُّ (3005)، ومسلم (2115)، وأبو داود (2552) وهو في الموطأ (2/ 937).
* * *
ــ
قسيهم في أعناق إبلهم من العين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها لأجل توقع ذلك. وظاهر قول مالك: خصوصية ذلك بالوتر، ولذلك أجازه ابن القاسم بغير الوتر. وقال بعض أصحابنا فيمن قلَّد بعيره شيئًا ملونًا فيه خرز، إن كان للجمال؛ فلا بأس به.
واختلف العلماء في تقليد البعير وغيره من الحيوان والإنسان ما ليس بتعاويذ قرآنية مخافة العين. فمنهم من نهى عنه، ومنعه قبل الحاجة، وأجازه عند الحاجة إليه، ومنهم من أجازه قبل الحاجة وبعدها، كما يجوز الاستظهار بالتداوي قبل حلول المرض.
وقال غير مالك: إن الأمر بقطع الأوتار إنما كان مخافة أن يختنق به البعير عند الرَّعي، أو يحتبس بغصن من أغصان الشجرة، كما اتفق لناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدها ثم وجدها قد حبستها شجرة. والله تعالى أعلم.
و(قوله: من وتر، أو قلادة) هو شكٌّ من بعض الرواة، فكأنَّه لم يتحقق قوله: من وتر. هذا ظاهر كلامه. ويحتمل أن تكون (أو) تنويعًا، فيكون المنهي عنه قلادة الأوتار وغيرها. والأولى: ما صار إليه مالك، والله تعالى أعلم.
* * *