المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

(3) باب القصاص في النفس بالحجر

[1763]

عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأسُهَا قَد رُضَّ بَينَ حَجَرَينِ، فَسَأَلُوهَا مَن صَنَعَ هَذَا بِكِ؟ فُلَانٌ؟ فُلَانٌ؟ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا،

ــ

(3)

ومن باب: القصاص في النفس

(قوله: إن جارية وجد رأسها قد رضَّ بين حجرين فجيء بها [إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق] (1)) الرَّضُّ: الكسر غير المُبَان. و (الرَّمَق): بقية الحياة؛ يعني: أنها قد أشرفت على الموت. ولذلك لما سُئلت عمَّن أصابها أومأت برأسها لما ذُكِر لها القاتل، ولم تقدر على الكلام بلسانها. ومن قال من الرواة: إنَّها قالت: نعم. فإنما عبَّر عمَّا فهم عنها من الإشارة بالقول، فإنَّها تنزلت منزلة القول.

ففيه من الفقه: قتل الرَّجل بالمرأة. وهو قول الجمهور خلافًا لمن شذَّ فقال: لا يقتل بها. وهو عطاء، والحسن. وقد روي عن علي رضي الله عنه.

وأمَّا القصاص بينهما في الأطراف: فهو أيضًا مذهب الجمهور. وقد ذهب إلى نفيه فيها من نفاه في النفس، وأبو حنيفة، وحماد، وإن قالا به في النفس. والصحيح قول الجمهور في المسألتين؛ لقوله تعالى:{وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ}

وفيه: جواز ذكر من اتُّهم، وعرضهم على المقتول واحدًا واحدًا بعينه واسمه، وإن لم تقم دلالة على لطخه أكثر من أنَّه يحتمل ذلك احتمالًا قريبًا. ولا يكون ذلك عرضًا يستباح.

وفيه: ما يدلُّ على اعتبار التَّدمية على الجملة. وقد تقدَّم الكلام فيها، لكن

(1) ما بين حاصرتين من الرواية التي في صحيح مسلم برقم (1672)(15).

ص: 24

فَأَومَأت بِرَأسِهَا، فَأُخِذَ اليَهُودِيُّ، فَأَقَرَّ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُرَضَّ رَأسُهُ بِالحِجَارَةِ.

ــ

الصحيح في هذا الحديث: أن اليهودي إنَّما قتل بالمرأة باقراره، لا بمجرد التَّدمية. والرواية التي يظهر منها: أنَّه قتل بمجرد التَّدمية مردودة إلى الرواية التي ذكر فيها: أنه قتل بإقراره لوجهين:

أحدهما: أن القضية واحدة وإن اختلفت الرِّوايات، فيحمل مطلقها على مقيَّدِها.

والثاني: أن ظاهر تلك الرِّواية المطلقة مجمع على تركه؛ إذ لم يقل أحد من المسلمين: أن التَّدمية بمجردها يقتل بها، وإنَّما هي عند من قال بها لوثٌ يقسم معها. ولم يسمع قطّ في شيء من طرق هذا الحديث، ولا رواياته: أن أولياء هذه الجارية أقسموا على اليهودي.

وفيه: قتل الكبير بالصَّغير؛ لأن الجارية اسم لمن لم يبلغ من النساء، كالغلام في الرجال. وهذا لا يختلف فيه.

وفيه: أن من قَتَل بشيء قُتل به. وقد اختلف فيه، فذهب الجمهور: إلى أنَّه يُقتل بمثل ما قَتَل من حجر، أو عصا، أو تغريق، أو خنق، أو غير ذلك، ما لم يقتله بفسق كاللوطية، وإسقاء الخمر؛ فيقتل بالسيف. وحجَّتهم هذا الحديث، وقوله تعالى:{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} وقوله تعالى: {وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} والقصاص أصله: المساواة في الفعل. ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار، وفي قتله بالعصا. فجمهورهم: على أنَّه يقتل بذلك. وقال ابن الماجشون وغيره: لا يحرَّق بالنار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يعذب بالنَّار إلا الله)(1). وقال مالك في إحدى الروايتين عنه:

(1) رواه أحمد (2/ 307)، والبخاري (3016)، وأبو داود (2674)، والترمذي (1571).

ص: 25

وفي رواية: فقتله رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بين حجرين.

رواه أحمد (3/ 183)، والبخاري (2413)، ومسلم (1672)(15)، وأبو داود (4527)، والترمذي (1394)، وابن ماجه (2665).

ــ

إنَّه إن كان في قتله بالعصا تطويل وتعذيب، قتل بالسَّيف. وفي الأخرى: يقتل بها، وإن كان فيه ذلك، وهو قول الشافعي. وقال الشافعي فيمن حبس رجلًا أيَّامًا في بيت حتَّى مات جوعًا، أو عطشًا (1)، أو قطع يديه ورجليه، ورمى به من جبل، أن يُفعل به مثل ذلك، فإن مات، وإلا قتل. وذهبت طائفة إلى خلاف ذلك كلِّه فقالوا: لا قود إلا بالسيف، وهو مذهب أبي حنيفة، والشعبي، والنخعي. واحتجوا على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا قود إلا بحديدة)(2)، وبالنهي عن المثلة. والصحيح مذهب الجمهور لما تقدم، ولأن الحديث الذي هو:(لا قود إلا بحديدة) ضعيف عند المحدثين، لا يروى من طريق صحيح، ولأن النهي عن المثلة نقول بموجبه إذا لم يمثل بالمقتول، فإذا مَثَّل مثَّلنا به؛ لقوله تعالى:{فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} ولحديث العُرَنِيِّين على ما تقدم.

وقد شذَّ بعضهم (3) فقال فيمن قتل بخنق، أو بسم، أو تردية من جبل أو في بئر، أو بخشبة: أنه لا يقتل، ولا يقتص منه إلا إذا قتل بمحدد: حديد، أو حجر، أو خشب، أو كان معروفًا بالخنق والتردية. وهذا منه ردٌّ للكتاب، والسُّنة، وإحداث ما لم يكن عليه أمر الأمَّة، وذريعةٌ إلى رفع القصاص الذي شرعه الله حياة للنفوس، فليس عنه مناصٌ.

ثم اختلف العلماء فيما إذا قَتَل بما لا يَقتُل مِثلُه (4) غالبًا، كالعضَّة واللَّطمة،

(1) ساقط من (ج 2).

(2)

رواه البيهقي (8/ 62)، وعبد الرزاق في مصنفه (17179).

(3)

في (م) و (ج 2): أبو حنيفة.

(4)

في (ع): به.

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وضربة السَّوط، والقضيب، وشبه ذلك. فقال مالك، والليث: هو عمدٌ، وفيه القود. قال أبو عمر: وقال بقولهما جماعة من السلف من الصحابة والتابعين. وذهب جمهور فقهاء الأمصار: إلى أن هذا كلُّه شبه عمد، إنما فيه الدِّية مغلظة. وهو قول الثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقد ذكر عن مالك، وقاله ابن وهب، وجماعة من الصحابة والتابعين.

قلت: وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ إذ العمد: القصدُ إلى القتل، وهو أمر خفي لا يُطَّلعُ عليه، فلا بُدَّ من دليل عليه، ولا بدَّ أن تكون تلك الدَّلالة واضحة رافعة للشَّك. ودلالة ما يقتل مثله (1) غالبًا دلالة محقَّقة، صحيحة، وليس كذلك اللطمة، وضربة السوط، فلا دلالة فيهما. والدِّماء أحق ما احتيط لها؛ إذ الأصل صيانتها في أهبها، فلا نستبيحها إلا بأمر بيِّن، لا إشكال فيه، وهذا فيه إشكال، ولا نستبيح به دمًا، ولما كان مترددًا بين العمد والخطأ؛ حكم له بشبه العمد، وهو حُكمٌ بين حُكمين، فلا هو عمد محضّ، ولا خطأ محضّ، فلا قود فيه؛ إذ لم يتحقق العمد. ومع ذلك فيمكن أن يكون قصد القتل، فتكون فيه الدِّية المغلظة، هذا مع ما قد رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة، فذكر الحديث، وقال فيه:(ألا وإن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسَّوط، أو العصا مائة من الإبل، أربعون في بطونها أولادها)(2). وهذا نصٌّ في الباب، فلا ينبغي أن يعدل عنه.

ثمَّ اختلف القائلون بشبه العمد في الدِّية المغلظة ما هي؟ فقال عطاء، والشافعي: هي ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعة، وأربعون خَلِفَة. وقد روي ذلك عن عمر، وزيد بن ثابت، والمغيرة، وأبي موسى. وهو مذهب مالك حيث يقول: بشبه العمد.

(1) سقطت من (ع).

(2)

رواه أبو داود (4547 و 4548)، والنسائي (8/ 41)، وابن ماجه (2627).

ص: 27

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومشهور مذهبه: أنه لم يقل به إلا في مثل فعل المدلجي بابنه حيث ضربه بالسَّيف. وقيل: إن دية شبه العمد أربعون جَذَعة إلى بازلٍ عامها، وثلاثون حِقَّة، وثلاثون بنت لبون. وروي هذا عن عثمان. وبه قال الحسنُ، وطاووس، والزُّهري.

وأمَّا ديةُ العمد: فهي عند الشافعي ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون جَذَعةً، وأربعون خلفة، كما قال في شبه العمد. وقال مالك: هي أرباع: ربع بنات مخاض، وربع بنات لبون، وربع جِذاعٌ، وربعٌ حقاقٌ. وبه قال الزهري، وربيعةُ، وأحمدُ. وقال أبو ثور: أخماس، ويزيد على الأربعة الأسنان المتقدِّمة بني لبون. وهي عنده ديةُ شبه العمد.

وأمَّا دية الخطأ: فهي عنده (1) أخماسٌ كما ذكرناه آنفًا. وبه قال عمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، والزهري، وربيعةُ، والشافعي. ونحوه قال أبو حنيفة، غير أنه جعل بدل بني لبون بني مخاضٍ. وبه قال النَّخعي، وأحمدُ، ويعقوبُ، ومحمد. ورُوِي عن ابن مسعودٍ. وقيل: إنها أرباعٌ كما تقدَّم في دية العمد. وبه قال الشعبي، والحسن البصري، والنخعي، وإسحاق بن راهويه.

قلتُ: وهذا في أهل الإبل مجمعٌ عليه: أن في النَّفس مائة من الإبل. واختلف في غيرهم. فقالت طائفة: يجب على أهل الذهبِ الذهبُ، وعلى أهل الورِقِ الورِقُ. وروي ذلك عن عمر، وعروة، وقتادة، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، ولم يختلف هؤلاء: أن دية الذهب ألفُ دينار. واختلفوا في الفضة. فقال الثوري، والنعمان، وصاحباه، وأبو ثورٍ: هي عشرةُ آلاف درهم. [وقال الحسن البصري، وعروةُ، ومالكٌ، وأحمدُ، وإسحاقُ: اثنا عشر ألف درهم](2). وقال مالك، وأبو حنيفة: الدِّيةُ من الذهب، والإبل،

(1) أي: عند أبي ثور.

(2)

ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).

ص: 28

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والفضة، ولم يعرفا الحُلَل، ولا الشاء، ولا البقر. وقال آخرون: هي على أهل البقر مائتا بقرة. وعلى أهل الشاء ألفا شاة. وعلى أهل الحُلَل مائتا حُلَّة. وروي هذا عن عمر، والحسن البصري. وبه قال عطاء، والزهري، وقتادة، غير أن هؤلاء الثلاثة لم يقولوا بالحلل.

قلت: وسبب هذا الخلاف اختلاف الأحاديث الواردة في الباب، والاختلاف في تصحيحها، وذلك: أنه ليس شيء منها متفقًا على صحته، وهي ما بين مرسلٍ، وضعيفٍ. فلنذكر منها (1) ما خرَّجه الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدِّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قَتَل متعمدًا دفع إلى أولياء المقتول؛ فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدِّية، وهي: ثلاثون حِقَّة، وثلاثون جَذَعة، وأربعون خَلِفة، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل)(2).

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وروى أبو داود عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى: أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل: ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حِقَّة، وعشر بني لبونٍ ذكر (3). وروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين. قال: فكان ذلك حتى استخلف عمر، فقام خطيبًا فقال: ألا إن الإبل قد غلت، ففرضها على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة. قال: وترك دية أهل

(1) في (ج 2): فلنذكرها فمنها.

(2)

رواه الترمذي (1387).

(3)

رواه أبو داود (4541).

ص: 29

[1764]

وعنه: أَنَّ رَجُلًا مِن اليَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِن الأَنصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا، ثُمَّ أَلقَاهَا فِي القَلِيبِ، وَرَضَخَ رَأسَهَا بِالحِجَارَةِ، فَأُخِذَ فَأُتِيَ بِهِ

ــ

الذمَّة لم يرفعها فيما رفع من الدِّية. وفي رواية أخرى عنه قال: عقل شبه العمد مغلَّظة مثل العمد، ولا يقتل صاحبه (1). وعن عطاء، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلَّة (2). وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون بني مخاض ذكر (3). وعن عكرمة، عن ابن عبَّاس: أن رجلًا من بني عدي قتل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفًا (4).

فهذه الأحاديث التي دارت بين العلماء الذين تقدم ذكر مذاهبهم، فصار كل فريق منهم إلى ما صحَّ عنده منها، وعمل به، ومن بلغه جميعها فلا بد له من البحث عنها حتى يتبيَّن له الأرجح منها.

و(قوله في الرواية الأخرى: أن رجلًا من اليهود قتل جارية من الأنصار على حلي لها)، وفي رواية (5):(على أوضاح، فألقاها في القليب). و (الأوضاح): جمع: وضح، وهو الحُلِي من الدراهم (6)؛ قاله أبو عبيد. و (القليب): البئر غير المطوية (7). و (رضخ رأسها): شدخه.

(1) رواه أبو داود (4542).

(2)

رواه أبو داود (4543).

(3)

رواه أبو داود (4545)، والترمذي (1386)، والنسائي (8/ 43 و 44).

(4)

رواه أبو داود (4546)، والترمذي (1388)، وابن ماجه (2629).

(5)

هذه الرواية في مسلم برقم (1672).

(6)

في (ج 2): الفضة.

(7)

جاء في حاشية (ل 1): وقال أبو عبيد: القليب: البئر العادية القديمة التي لا يُعْرَف لها ربٌّ، ولا حافر لها. تُذكَّر وتؤنث.

ص: 30